نُـور - علاء الدين عبد المولى

لقهوتكَ الصَّهباء حَنَّ الَّذي حَنَّا
فكم كنتَ تسقينا الحُمَيَّا وكَمْ كُنَّا...

((نداماي بيضٌ كالنّجوم)). فيا فتىً
يدورُ كنجم الأفقِ، بالعشقِ أَسْكِرْنا

نأَيتَ... أهذا وقتُ نأيٍ عن الهوى
وأنتِ الَّذي حُمِّلْتَ عِبءَ الهوى عنَّا؟

نداريكَ من ريح الشّمال وبَرْدِها
إذا صَوْتُها من خَلفِ شبّاكنا أنَّا

نُلقَّنُ من وحْي الغوايات آيَنَا
ونُسْكَبُ في روح المدى عسَلاً يُجنْى

لمن قبّةُ الأسرارِ خلّفتَها؟ ومن
يقطّرُ منَّا البوحَ خمراً؟ ومَنْ مِنّا؟....

أيا طلَلَ الأرواح فاسلَمْ لشاعر
من الحَجَرِ المنسيِّ يستنطقُ الفنّا

يُراودُ في ليلِِ الضَّباب نشيدَهُ
يوافيه إنسيّاً، ويتركُهُ جنَّا

يرمِّمُ آفاقَ العطور إذا هَوَت
ويسقطُ برجُ الكائناتِ، ولا يفنى

ولكنّهُ فَرْدٌ كنَسْرٍ على الذُّرى
يظلّ وحيداً بعد أن خلَقَ الكونا

أنا الشّاعرُ المَحْنِيُّ قلبي من الرّؤى
إذا انشقَّ نبعٌ من دمي خِلْتُهُ لَحْنا

بإيقاعِ أمواتِ البلاد أُرقّصُ الحياةَ-
... وأُلقي في مقابرِها المَعْنى

وكم رُحْتُ أَهْذي بالقصائد حُرَّةً
فألفيتُني أَبْني لحرّيتي سِجْنا

ووُرِّثتُ من حُبِّ العذارى جهنَّماً
وهُنَّ اللّواتي جئنَ من نارِها، هُنّا

سُفِكْتُ بمحراب العذارى ليالياً
فإن جفّ ماءُ القلب، أتبعُتُه العَيْنا

سجدتُ لوجهِ الأرض، مرّغتُ جبهتي
به، ليضيء الشعرُ من نوره الأسنى

ترابيّةٌ نبضاتُ قلبي عَلِيَّةٌ
وقد يبدأ الأعلى من الأفُقِ الأدنى

وكم لامني في البوح تمثالُ حكمةٍ
على أنَّهُ لو ذابَ عشقاً، إذنْ جُنَّا

دعاني إلى جنسيَّةِ العشق عالَمٌ
إذا رقصتْ فيه الرياح، بها يُزْنى

وما أنا بالمرذول قولاً وخطوةً
ولكنْ مثلي إن شجاهُ الهوى غنَّى

أنا بشريٌّ في زمانٍ مُؤَلَّهٌ
به العفَنُ الكليُّ والمنتشي نَتْنَا

فما لَي إنْ كاشفتُ مَهْدَ حبيبتي
أُعَهَّر؟ مَن منَّا المَصُونُ؟ وماصُنَّا؟

حبيبي انهبِ اللَّذاتِ من جسد اللَّظى
فليس سوانا من بلذَّته يُعْنى

((حلفتُ برِّب الرَّاقصات)) يَلُحْنَ لي
من الحلم أطيافاً تحاصرني حُسْنا

لأَسقطُ في العشق التّرابيِّ نبتةً
أدلّلها فَرعاً، وأُثْمِرُها غصنا

إلى أن يفيضَ القلبُ بالخمر، كلما
تمايلَ مِن دنٍّ قذفتُ له دنَّا

((فإن متّ فانعوني بما أنا أهلُهُ))
وخلّوا عظامي في الفلا ترفضُ الدَّفنا

سلامٌ لجمهوريّةِ النُّور لم تَزَلْ
توافي بقايانا إذا نحنُ أظلمْنا

تحدَّرت الأسرارُ منها شهيّةً
تسمّي لنا الأشياءَ إنْ نحن أنكرنا

نُساقِطُ من جنَّاتها رُطَباً لنا
إذا نحنُ في أرض المجاعات أفِردْنا

((أما والَّذي أبكى وأضحكَ والَّذي
أماتَ وأحيا)) والذي دمّر الكونا،

سنبقى نمصّ النّورَ من حلمةِ الدّجى
فيا عالَمَ الظّلْمات، ماشِئتَ أطفئنا....

____________

9/6/1993