من آناء الليل والنهار - علاء الدين عبد المولى

لأفتتحَ النَّهارَ بها،‏
رميتُ تحيَّتي للشَّمسِ، فارتدّت يدي لهبا‏
وبين أصابعي فاجأتُ صحو عيونها‏
طفلين يختصمان من تعبٍ‏
وينسجمان إنْ تعِبا‏
وحين لبستُ معطفَ غيمةٍ عَبَرَتْ‏
أصاب الماء ذاكرتي‏
وشعشعَ وردُها ذهبا‏
... ... ...‏
لأفتتحَ النَّهار، عليَّ أنْ‏
أُلقي ذراعي في طريق هوائها‏
وأنظّف العصفورَ من نعسٍ‏
وأملأ ريشَهُ رغباتيَ الزّرقاءَ‏
أشتقُّ الفضاءَ له‏
أناديه ليحملني،‏
يناديني لأحملَهُ‏
وكلّ حديقة يجتازُ مدخلها، تصيرُ لَهُ‏
وكلّ سرادقٍ للعطرِ ترفعُهُ يدُ الأنثى‏
يحلّق فوق قبّتهِ ليدخلَهُ.‏
... ... ...‏
لأفتتحَ النّهارَ‏
أفاجئُ المزمارَ في شفتي‏
يقلّد صوتَ عاشقةٍ تذيبُ النّور خلفَ ثيابها‏
وتئنّ من حَمْل الحرائقِ في حقيبتها‏
وتسهرُ في مخيّلة الخصوبةِ‏
تبصرُ القرآنَ في قنديلِ والدِها‏
فتقرأ آيةً خضراءَ‏
تحمي روحَها من شرِّ حاسدِها‏
وتطردُ من أصابعها غبارَ العالم السّفليِّ‏
ترسمُ هالتين من البياض الفذِّ في‏
صدرٍ يضاعفُ من مواجدِها‏
وينقلُ سرَّ ماضيها إلى غدها...‏
... ... ...‏
لأفتتحَ النّهارَ، يفيض بي قدح الأغاني‏
وأهدي زينة الفتياتِ زينةَ ما أعاني:‏
قصائدَ من جحيم اللّيل أصهرُها‏
يحمحمُ في مراعيها حصاني‏
أزيّنه بسَرْجٍ يحملُ الياقوت من أقصى مكانِ‏
ويحمل فيه أثمن لؤلؤٍ وزمرّدٍ‏
وبريقَ عقدٍ من جُمان‏
حصانُ الشّعر يشردُ في كياني‏
يوسّع من منافيه‏
ويُرجِعُ في قوافيه نهارَ حدائقٍ‏
ينسابُ من قَدَمِ الزَّمانِ‏
حصان الشِّعر سيّدتي خذيه‏
فأنتِ وجمرُه كم تُحْرِقانِ...‏
... ... ...‏
لأفتتح النهارَ إذاً،‏
أكونُ شتاتَ قافلةٍ محمّلة بتَمْر الشَّرق‏
أمضي في جموع الطّالعين من الكآبةِ‏
ثم أحذو حذوَ سيّدتي الصَّغيرةِ‏
أغلقُ الأبراجَ في رأسي‏
وأنزلُ نحو مشهدها على درجاتِ أسرارٍ‏
أراها في يد الأنوارِ‏
تلمعُ كالأساور‏
لا تقولُ ولا تُقَالُ‏
يداعبُ وجهَها ملَكٌ‏
يقبّل رأسَها فلَكٌ‏
وتسجُد عند عتبتها الظّلالُ‏
هي امرأةٌ من الفقر النَّبيل تصوغُ حكمتَها‏
ويحمل رحمُها من نسلِ "فاطمةٍ"‏
طفولاتٍ مخبّأةً يتوّجُها الكمالُ‏
هي امرأةٌ مجسَّدةٌ‏
ولكن كلّما قاربتُها انداحَتْ دوائرَ‏
لا يجمّعُ شملَها إلاَّ الجمالُ..‏
***‏
لأفتتحَ النَّهار..‏
... ... أقولُ‏
.......... أتعبني الخيالُ..‏
_________
6/1/1999‏