جرس الرحيل الأخير - علاء الدين عبد المولى
أغمّسُ قَوْسَ النَّشيد بحلْمِ يديكِ
وأشردُ خلفَ ضفائرِ ظلّكِ مشتعلاً،
حارقاً حكمةَ العائلَهْ
تدورُ الجواهرُ بين يديكِ
تدورُ دمائيَ،
هل تلكَ مرآةُ وجهكِ؟
أم شجَرُ اللَّيلِ يعبرُ بي نحو مهدكِ
مستلقياً قرب أرديةِ الفجرِ
أدفعُ عنكِ غبار البكاءِ
أتسمَعُ رِجْلاكِ أعتابَ صوتي؟
عتابي بحجمِ المحرَّمِ فيكِ
لهُ طعمُ تفَّاحةٍ يتقاسمها عاشقانِ خفيَّانِ
في ظلّ أغنيةٍ...
أستبيحُ لكِ الرّيحَ والياسمينَ الجريحْ
أقولُ: ألِفْتُ حضوركِ...
كيف ستألَفُ عينايَ هذا الهواءَ
وقد غادرتْهُ يداكِ؟
وكيف ستألَفُ ذاكرتي أن ترشيّ
عليها دَمَ الهاويَةْ؟
لمن تسجدُ الأغنيَهْ
وراء إمامِ الهيامِ؟
خطاكِ الَّتي سكَنَتْ بينها الشَّمسُ
كيف تودّعُ هذا البلاطَ الحميمْ؟
وصوتي وراءكِ منتبهٌ
يستفزّ الحَمامَ المهاجرَ:
يا راحلين أحلِّفكُمْ بالهواءِ المقدَّسِ
لا تسرقُوا رئتي الثَّانيَهْ...
... ... ...
لماذا كبرتِ سريعاً؟
ونحنُ نغنيّ طفولةَ وجهكِ،
تبكين من لقمةٍ سُرقَتْ من رغيفكِ،
تبرقُ فيكِ ثريَّا الدَّلالْ
كبرتِ كأنثى ينامُ على يدها خدُّها الكرزيُّ
وتلمعُ أحداقُها شهوةً في وريدِ المحالْ
كبرتِ وهذي خفايا الجَسَدْ
تبوحُ بأسرارها فجأةً...
فجأةً تكبرينَ
يقلُّ عليكِ السِّياجُ
مضيئاً بجنَّته فجأةً،
فجأةً تقذفينَ الزَّمانَ وراءكِ
يا عسَلَ الصّبحِ إذْ يتموّجُ في القلبِ نحلٌ!
كثيرٌ غيابُكِ،
والظُّلماتُ تعبّئُ منِّي السّلالْ
فأينَ أهرِّبُ هذا الجحيمَ من الحسِّ
حين أراكِ كأيقونةٍ
ملأتْها عيونُ المصلّين من بركاتِ الجمالْ؟
... ... ...
ألمُّ الأغاني من الغَْيبِ،
لو تسمعينْ
أشدُّ دمي حين يهربُ نحوكِ،
لو تهربينْ
وما كنتِ مبصرةً كيفَ
بعثَرَني الشّعرُ في جَرَسٍ أيقَظَ الكونَ من نومِهِ
ليصلّي على آخرِ العاشقينْ
فلا ترفضي نُذُري،
وهبيني جداراً،
سأنهارُ من ظلّكِ الياسمينيِّ،
إذ يتفَّتتُ مسكاً عليَّ
جدارٌ سألعَنُ أنقاضَهُ
لا تكوني على جثَّتي حارساً
إنَّني غابةٌ تتفلَّتُ من أَسْرِها كلَّ حينْ
مقيمٌ أنا في غنائي
وقَدْ أجدُ الآنَ أيّةَ ساحرةٍ لترمِّمَ ذاكرتي،
غير أنَّكِ في وحشتي جَسدٌ خَمَّرَتْهُ القصائدُ
تحت ترابِ السّنينْ
أهاجرُ...
أرضُ الكوارث واسعةٌ
سأفتِّشُ عن أيّ جدٍّ أسميّهِ (قيساً)
لأكتُبَ بين غرائبِهِ بعضَ أسطورتي
ثمّ أجلس في صَمْتِهِ
وأحدّد في التّيه مرعى قصائدِنا في الحنينْ
أبي، قُلْ لماذا نسبّحُ باسم العذارى؟
لتنضُجَ أحلامُنا في خوابي الظَّلامِ؟
أبي... احْمِني من تداعي فضائي
ولا تبتعدْ عن مسائي طويلاً
لقدْ ضاق بي ندمائي
ولم يَبْقَ إلاَّ شَبَحْ
يُديمُ زيارتَهُ لي
إذا ما غدوتُ ضريحَ الفَرَحْ...
_________
24/3/2001