أُنْس - علاء الدين عبد المولى

هي لعبةٌ بدأتْ، وهذا القلبُ شطرنج النّساءْ
كشفَتْ يديها، فاختبأتُ بكفّها اليسرى أطلُّ على الفضاءْ
ليلٌ وأضلاعٌ تُقَشِّرُ باللَّهيب دماءَها
فيضمّها أفقٌ حريريٌّ طريٌّ طرّزَتْهُ السّاحراتْ
صحراء تلتهم الجهاتْ
كنّا على سفَرٍ،
وكان اللّطفُ محتشداً وراء قميصها
ولسانُها العسليّ يفتتح الغناءْ
النجمةُ العذراء قربي، تنحني أسرارها
ونشفُّ عن جبلٍ من الأحزان،
ننحتُ من مراثينا تماثيلَ البكاءْ...
هي لعبة ربطتْ يديَّ بأول التفّاحِ
والأنثى النقيةُ تبتهلُ
وتلمُّ أشتاتي بإبطيها
وقلبي في مخابئ عريه يهتزّ كالطِّفل
الصغير غداةَ يغلبُهُ نعاسٌ في يَدَيْ أمٍّ
تغطّيه بهينَمَةِ الصَّفاءْ
كنَّا على سفرٍ يسافرُ في أصابعنا
ويزرعنا بكوكبه الثَّمِلْ
غسلَتْ حضورَ الرّوح في نيران ذاكرةٍ تسيرُ وراء
أعراس الوصولِ، ولاتصلْ
لم تكتملْ قيثارةُ اللَّوز المضيء سوى بنا
والأرض تصعد من ذرى أهدابنا
كنا نسيّجها بسيرتنا البريئةِ،
حين حاصرها الدّخانُ
وشقَّ أرديةَ السَّواحل برقُ أعداءٍ مَشَوْا فينا،
نهضنا من شواهدنا، وحَيْفا لم تَزَلْ
عسلاً يصيبُ عيونَ أنثايَ الحزينة مثلَ جمرٍ مشتعلْ
لم تكتمل تلكَ القصيدة والهوى لم يكتملْ...
(إيناسُ) من دفءٍ خجولٍ،
أجلَسَتْ أشعارَ (محمود) المسافرِ،
فوق ركبتِها...
بعيداً،
ذهَبَتْ.. بعيداً في غوايتها،
ومسَّ دمي تكسُّرُها الدّفينُ،
دفَعْتُ عنها مااستطعتُ اللَّيلَ،
أبعدْتُ الحَمامَ عن الرَّصاص لتسقط الطَّلقاتُ
خلفَ البحر خاويةً...
صغيراً لم تزلْ يابُرْجَها العالي، صغيراً
مالوّثْتَكَ الرّيحُ حين تشدّ أشجاراً وتقتلع الجذورا
كيف ارتفعتَ إلى سحاب الحسِّ،
تُرْهِفُ للفضاء الرّوحَ
تَلبسُ من شفافيةٍ حريرَا
عرّيتَ أقوالي وأحوالي فمالي لا أمدّ لكَ الجسورا؟!
طُوِيَتْ على الأسرار كفَّانا
ونادانا نعاسٌ ساهرٌ
يستلُّ من أسمائنا صدأَ الكلامْ
هي لحظةٌ هبطَتْ بآياتٍ كرامْ
يتلو على أسماعنا ليلٌ مزاميرَ الدُّخولِ
ويصطفينا خالقُ الشَّهوات أجراساً ترنُّ
ليستفيق النّحلُ في شجر النّيامْ
العاشقون تسلَّلوا خلف الجبال
يثبّتون على الهواء كلامهم حَبّاً
لتَلْقُطَهُ حمامات السّلامْ
هل وحدنا فَتَح النشيدُ ربيعَهُ فينا
ليجمعنا الشتات؟
هي لعبةٌ يا أنسُ.
قالت: قد تموتُ الآن.
قلتُ: لكِ الحياةُ...
...
طفلان، لعثمةُ اليدين...
تعالَ،
أبعِدْ،
خُذْ،
تمهّلْ،
طفلان، يحتشد الظَّلامُ الغضُّ حولهما
فينحنيان تحت قناطر الكشف المعسَّلْ
طفلان، عادت حلوتي من حزنها القدسيِّ أجملْ
آنستُ في ظلماتنا قَبَساً،
فقلت لها: هي الأضواءُ اسمكِ،
أنت جوهرتي أواصلُ في أشعَّتها حنيني
لأكون أقربَ منكِ فيكِ،
وأحتمي من رمل شهوتنا بينبوع الجنونِ
مازلتِ أطرى من رغيفٍ ساخنٍ يُطْوى ويُؤْكَلْ
مازلتِ نَضْجَ الفستقِ السّرّيّ/
كيف حصونُكِ الأولى ستُدْخَلْ؟
...
أذَهَبْتُ أبعدَ من مشيئةِ هذه الكلماتِ؟
هل نبني على ماءٍ قلاعا؟
هل نستحيل إلى رمادٍ بعد أن ولد المدى فينا شعاعا؟
كم يامدينةَ شهوةٍ ضاعَتْ بنا مدنٌ
وكم من لؤلؤٍ في الرَّملِ ضاعا
كم شدَّنا خيط إلهيّ، فلّما أَنْ وصلْنا،
زادت الرّؤيا انقطاعا
أنمرُّ بالفرح القديم كأنّهُ ماكان صورتَنا،
وماكنّا لرقصتِهِ قناعا؟
ياحسرةً شقَّ الوصول غطاءَنا وأضاءنا قمرٌ تداعى
ياأنسُ هذا اليأسُ يكْسُو عمقنا
وأنا أغادر جوقةَ الأحياء والأمواتِ
أنسى في يديكِ يديَّ
حتَّى لا أمدّهما إليكِ ولا أمدَّهما إليَّ
ولا أقولَ لكِ الوداعا...
____________________
6/8/1994 عدلت وأضيف إليها في 5/4/1995