قصائد في مغفرة الحب - علاء الدين عبد المولى

(1) حنين:‏
جسدُ الربيع نما، وأنتِ عصيَّةٌ...‏
لكِ يا حديقة وحشةٌ‏
عودي إلى جدَل الطَّبيعة والرِّياح،‏
إلى زواج الأرض بالذِّكرى،‏
إلى وادٍ به طوفان أصنافٍ ستغرقُ،‏
واصنعي فُلْكاً بأعيننا لمن تاهوا...‏
أنادي كنزك الأغلى: أعيدي‏
للزَّمان طراوةً وحلاوةً ونداوةً ولتستعيدي‏
يا قوتَ ذاكرتي اسكبيه في يديك‏
لأستردْ الرّوحَ في خَلْقٍ جديدِ...‏
(2) إلى كائن الغياب:‏
فتنتظرْ أن تهبط الأقمارُ من كتب السّماءْ‏
هذي حقائبُ نومكَ انتشرتْ، تعبّئها الدموعْ‏
سرقتكَ ساحرة المراثي نحو عالمها،‏
متى كان الرّجوعْ؟‏
الحلمُ في يدكَ استدارَ‏
وطار من شفتيكَ مجهولُ الكلامْ‏
صمتٌ... كأنّ القبرَ يدخلُ بين نافذةٍ‏
ومهدٍ مقفرٍ مدَّدتَهُ‏
فطواك مثل الدَّفتر المنسيِّ في دُرج الصّغارْ...‏
أغلقتَ بابك وانسفحتَ كنعشِ حزنٍ من ضفافِ مشيّعيكْ‏
ورموكَ، ما قرأوا وما سمّوا عليكْ‏
وبقيتَ وحدكَ مثل صومعةٍ على جبلٍ بعيدْ‏
لم تستطع أن تملأ الأقداحَ من نهرٍ جرى‏
بين الأغاني والخريفْ‏
والشّعرُ لعبة عاشقَيْن توارثا لغةَ الشِّجارْ‏
الشعرُ إتلافٌ وإيلافٌ،‏
وإنعامٌ وآلامٌ،‏
وجَمْع وافتراقْ‏
فخُذِ القصيدةَ من نهايتها،‏
وضعْ قمراً على شرفاتها‏
لتضاء أوقات الوداعْ‏
دقّت طبولُ النَّار في وادي الضَّياعْ‏
فقصائدٌ رقصَتْ‏
وأخيلةٌ رمَتْ زنَّارها‏
ومضَتْ تفتّشُ عن جذورْ‏
منسوجةٌ كفّي بخيطان الدّموعْ‏
وأصابعي هشَمَتْ قناديلَ الذّرى‏
وركعتُ للّغة التي أقدامُها تمشي على جِسْرٍ يُرى‏
أو لا يُرى...‏
(3) لابد منك:‏
لابدّ منكِ ليستديرَ الصَّوتُ فاكهةً تزيّن سهرةَ الأشباحِ‏
في كهف الزّمانْ‏
لابدّ منكِ لأستعيدَ الَّليلَ من نسيان نجمتِه إلى هذا المكانْ‏
لابدّ من أشيائكِ الصّغرى‏
ليكتسب النَّهارُ حرائق الأحلام فيَّ‏
ومن يديكِ إلى يديَّ رسالةٌ في الريحِ‏
لا... لابد أن نُرمى على ذهَب الحنانِ‏
خطايَ قربَ خطاكِ بيدَرُ صبوةٍ يعلو‏
ويجلسُ حوله فجرُ المناجلِ بعد أن تعبَتْ...‏
ولا...‏
لابدّ من عينيكِ تتَّخذان شرقَ الوقتِ‏
تختبئان في جرس الحياءْ‏
أصغي إليه، يشقّ صدري بالشّعاع الفاطميّ المزدهي‏
بسلالةِ الأنوار...‏
لا، لابدَّ منكِ صديقةً تحلو‏
وتبدأُ حين فيها أنتهي...‏
(4) مغفرة الضحى والليل:‏
للحبّ مغفرةُ الضُّحى والَّليل...‏
ما ودَّعتُ روحكِ عندما ودَّعتُ أجنحةَ الرَّسائلِ‏
ما اندفعتُ سوى إلى حجرٍ يشقّ الصّمت فيما بيننا‏
للحبّ صورتُه البعيدةُ‏
لا أرى جسدي تراجَعَ عن بنفسجه ونرجسه‏
خذيه كما يقول الفجرُ،‏
هذي الأرض كرسيٌّ ستُجلِسُ فوقها‏
أيامُنا أيامَها‏
وتعدّ أوراق الخريف‏
تنظّفُ الذكرى من الأمواتِ‏
تكسو لحمها وعظامَها...‏
بالحبّ أُطوى فيكِ ثانيةً وتنتشرين كالشَّمس القديمةِ،‏
كم دفعتُكِ باتّجاهِ الحلْم حتَّى‏
صرتِ أنثى أقتفي أحلامها‏
وأنا أطيّر من يديَّ حمامةً بيضاء‏
تخطئُ في الهديلِ لتغفري آثامها...‏
__________
20/12/1998‏