صحـو القصـيدة - علاء الدين عبد المولى

نام المغنّي والقصيدةُ صاحيَهْ
قطفت أصابعُها النّجومْ
وهوت على أعتابها شهبٌ تعرِّيها،
فأيقظني بريقُ العرْىِ،
ألبستُ الهواءَ دمي
وجاورتُ الجهات النّائيَهْ
ما كان أعلى من سياج اللَّيل غيرُ يدٍ تفتِّشُ عن
يدِ الأنثى، وكانَتْ عاليهْ
منذ انبلاج الكون، كانت عاليَهْ
منذ انفصال الأرض عن أطرافها
منذ اقتتال الأنبياء على دم الشُّعراء،
كانت عاليَهْ
فتأَّملي منفايَ يا أنثايَ، لولايَ استقالَ الأنبياءْ
وتفرّقَ الحكماءُ عن محرابهم لولايَ،
لولا أنّ خلفَ نوافذي جسداً يشّق الرّيحَ بالشَّهواتِ،
في جنبيه نارٌ حاميَهْ
يَصْلى بها يومَ الإناثِ العابراتِ على ضلوع لذائذي
لولاي أقفرتِ الكؤونسُ من الرَّنين المخمليِّ،
أنا اكتشاف العاشقينْ
ينمو على أسوار قلبي حبّ كلِّ العالمينْ
لكنّها أسوار قلبي صدَّعتْها الرّيحُ في فصل الجليدِ،
فنمتُ... لكنّ القصيدةَ صاحيَهْ
...
حنَّ الهواءُ إلى خطاكِ... فلا تغيبي
يا لعنةَ الذّكرى تطاردني خيالاتٌ
وينقبض الفؤاد مع المغيبِ
وتكون ذاكرةٌ معبَّأة بأجيالٍ من العشّاقِ
ترتعش الخلايا عندما أفقُ النَّهارِ
يردّ شبّاكَ العذارى
ويخبّئُ الخوفُ القديم أصابعي في زهرة الأحزان
يا... يا لعنة الذّكرى تلينُ حجارةُ الوادي عليَّ،
وأنتِ في حجرٍ تدقّين الضّلوع الخاويَهْ
كم كنتُ خالقكِ الرَّحيمَ،
وكنتُ شيطاناً سأُغوى جوقَة الإيقاع في
الأجساد تغزو جنّةَ الشَّهوات،
يا... يا لعنة الذِّكرى
يطلّ الوجه من عشب الغيوبِ
ويشدّني وجعٌ فأشرب خمرتي وأنام في وجه الحبيبِ.
أنامُ... لكنَّ القصيدةَ صاحيَهْ.
...
عُودي إلى أهداب أمِّكِ واحرسيها
واتركي قلبي على كفّيكِ مشتعل الحضورِ
سأشتهي نهديكِ حتَّى آخر العمر القصيرِ
ولو طواك الموتُ أطلقُ رقصتي من قمقمي
وأقول للكفن المشيِّع: أشتهيها أشتهيها...
هي قبَّتي العليا، بها رمّمتُ أشلائي، ترفّقْ بالحبيبة يا كَفَنْ
أنا والحبيبة كائنان يحلّقان ويهربان من الزّمنْ
عُودي إلى أهداب أمّك، إذ أعودُ لوحدة الرُّؤيا،
أعرِّي صَدْرَ أغنيتي وألهجُ:
زِّمليني زمِّليني يا فروض الأغنيَهْ
وأنامُ... لكنَّ القصيدة صاحيَهْ.
ويشدّني وجعُ القصيدهْ
وتراً من الرَّغبات قبل النَّوم...
يا ربَّ الفراغ أعنْ بصيرتيَ الوحيدَهْ
وحدي، وأهلُ القلب ناموا
ناموا لتنهشني الوسائدُ والظَّلامُ
والظّلمُ يأكلُ خبزَ قلبي حين يوقدُ وجهُكِ الأقصى
كواكب غرفتي
ما كنتِ قربي عندما بكت السَّماءُ الدَّاخليةْ
من ضعفيَ الكونيّ، أرمي كلَّ أسلحتي وأفتح نبضتي
لشعاع وجهكِ... يا قصيدة، يا غنائي البكرَ،
يا امرأةً شهيّهْ
وأنام... لكن القصيدة صاحيَهْ.
...
باركتُ من سمَّيتها جبلَ الدُّعاء، وباركَتْني
أسريتُ في وديانها العذراء شاهدتُ السّرائرَ
تنجلي وتشعّ مني
هذا براق دمي يطيّرهُ الهواء الأنثويُّ السَّاحرُ
يطوي مداراتِ المدى فأرى مكامنَ كلِّ شيءْ
وأذوب في شلاَّل ضوءْ
تتواثبُ النيّران في رئتيَّ، حين أمرّ قرب ديار سيِّدتي،
...
وأسهرُ تحت دالية المواجد، أقطفُ العنقود من نهدٍ،
وأسكرُ في ذرى نجدٍ ويصحو في دمائي الشَّاعرُ
يا وجهيَ الثّاني أغثني
غرقتْ ثنايا موجتي في قاع أنثى فاجأَتْني
وأنا أهرّبُ دمعتي، قالتْ: وجدتك يا مغنّي
فارقصْ معي...
رتَّبتُ إيقاعي وقلتُ لها: ارضعي
من غصنيَ المطريِّ ينهضُ سّركِ الشّجريُّ...
قالت: آه منكَ وآه منّي.
كلّمتُها سرّاً وسرّاً كلَّمتْني
ثمّ نمتُ...
ولم تزلْ تلك القصيدةُ صاحيهْ.
سأعودُ من حيث انتهى الجسدُ الجديدُ
جسدٌ: كتابٌ، أم
لطائفُ، أم
يمامٌ، أم
منامٌ، أم
هواءٌ ينحني فيه النَّشيدُ
جسد يثقِّفُ صدرَهُ
تتلو قصائديَ الأثيمةُ طهرَهُ
يصحو، ويصحو ما كتبتُ، يعيدُ
ترتيبَ الجنون، وينتشي قُرْبي،
فأشهقُ حين شيطان الرّؤى يكتظُّ بي
ويقول: يا ليت القصيدة مرأةٌ بعرائها
الفِّضِّي أعبَثُ،
يستفيض الدّمعُ من شبقٍ وينفطرُ الوريدُ
يا وجهها النَّائي ألا تدنو بمطلعك البهيِّ؟
غداً ستذكُرنا الطّفولة والورود
فتعال يا شيطانُ راودْني تلبَّسْني،
سأصعدُ في العراء وبالعراءِ،
وسوف يُسقطني الصّعودُ
وأنامُ... لكنّ القصيدة صاحيهْ.
___________
28/3/1992.