يدي على آنية السراب - علاء الدين عبد المولى
جسدي كآخرِ قلعةٍ سقَطَتْ، تداعى.
جسدٌ هزيلٌ، أم قليلٌ؟
أم على آفاقِه طيران من عينيكِ؟
أم هذا الرّحيلُ هويّةُ الباقي؟
لماذا تتركين الكأسَ
عند سقوطها من كفّ شاربها؟
أتخلو من بخورِ يديكِ مجمرتي؟
ولي في كلّ مرآةٍ رأيتِ: بنفسجٌ أو نرجسٌ...
وبكِ افتتحتُ سحابتين لكلّ فصلٍ،
واستعدتُ بروقَ أحوالِ الكتابةِ
في ذُرى آذارها.
وملأتُ فيكِ سلالَ جنّاتٍ بلذّاتٍ مشرَّدةٍ،
أكادُ الآن أصرخُ في سراديب الرَّمادِ:
أريدُكِ الأنثى الأخيرةَ،
ثمّ أُردفُ: ليس من أنثى أخيرةْ...
وأنا وحيدُكِ يا وحيدَةْ
هل جئتِ من ضلع القصيدةْ؟
هل كنتِ دون خرائبي الثَّكلى أباً،
أم كنتِ أمَّا؟
سمَّيتكِ الأسماءَ قاطبةً، وعدتُ بلا مسمَّى
فلتتركي بعض المناديل المثيرة في يدي
وانسَيْ قليلاً من دموعكِ داخلي
كنَّا هنا...
ويطيبُ أن نتقاسمَ الفجرَ الصَّغيرَ
وأن نُعِدَّ لهُ مكاناً بيننا...
ونقود للّيلِ الفقيرِ غناءَنا
ما كادَ يكتملُ القمرْ
حتَّى انتبهنا لاكتمالِ اللَّيل حول خرابِنا...
الحزنُ مُلْكُ يميننا
والشّعر... لا أعجوبةٌ... حتَّى ولا أنشودةٌ
هو بابنا نحو النّهايةْ
كم كان يسمح للنَّدى أن ينحني في فُلِّنا
كم كان أجمَلَ من إضافتِنا إليهِ
لمَ استَرَقْنَاهُ، ولمَّا ضاء في محرابِنا
قلنا له: اجلسْ هنا فوق الرّصيفْ
سيمرُّ في غدٍ القطارُ، ولا قطارْ؟
هل ضاعَ منَّا؟
إنّه الطّفلُ الَّذي لا ينتمي أبواهُ للأزهارِ...
بل يتخاصمانِ على ظلالهما
ويبقى منهما صوتٌ يعلّقه الإطارُ
على الجدارْ
كم كنتِ آثمةً بحقّ النّور في أحداقهِ
هو يشتهيكِ
لأنَّك الجسدُ المشرَّدُ في قناديل الإلهْ.
ويريدكِ امرأةً تعدُّ له العشاءَ على بساط الرّيحِ...
روحُكِ كالصَّدى في البئرِ...
كم أدليتُ دلوي
قلتُ أرفعُها وآخذُها خليلا
فوجئتُ أنَّك تغرقينَ
وأنَّ خيلكِ لم يعدْ يجدُ الصَّهيلا
قُولي... لمنْ كانَتْ يداكِ تلوّحان كنجمتينِ؟
وكلّما دنتِ القصيدةُ منكِ،
ترتدّين ضوءاً خلَّبيّاً؟
ماذا يقدّمُ للمسافرِ مَنْ يراودُهُ بآنيةِ السَّرابْ؟
شكراً لومضِ سرابكِ احترقَتْ به شفتايَ،
شكراً... غابتي خَذَلَتْ بلابلَها،
وأقفاصُ الحَجَرْ
صادَتْ أناشيدي...
سأمضي نحو آخر جرّةٍ مكسورةٍ
لأسيلَ بين فُتاتِها وتراً وترْ
لا أرض تحتي...
والسّماءُ قليلةُ المعنى،
وأنتِ مدينةٌ تعبتْ من الأبوابِ...
تطردُ زائريها
وتعاقبُ الشّعراءَ إنْ صلّوا على عتباتِها
أو قدَّسوها
لا أرض تحملُني جميعي
وأكادُ أبصرُ في نخاعي لوثةً
تودي بموسيقى دمي.
أو أسمعُ الثَّلجَ المفاجئ ينتقي
أبهى أواني الوردِ في أسطورتي...
بكتِ الحروفُ على زخارفها
بكى الشّبّاكُ حين رميتِ منه رسائلاً
لم تكتبيها
وبكى على أضلاعهِ بابٌ كسيحٌ
كم مشيتُ له بمفتاحِ الدّموعِ
وسجدتُ قربكِ غارقاً في جَهْل ما أَعْني،
وأدعو أن يوزّعكِ الخريفُ على ربيعي
وغفلتِ عن رغباتِنا الخضراءِ...
لكنّي قرأتُ جحيمكِ العُذْريَّ
منصهراً كسيلٍ من ذَهَبْ
لا تطفئي هذا الشّعاعَ،
هنا مكانُ الله حين يزوّجُ الأنهارَ للفقراءِ،
هذا مدخلُ الفردوس،
تتّكئ الكؤوسُ على أباريق العنَبْ
ويكون مشهَدُ مريَماتْ
يمزجنَ عطر النّور في شبقِ الحياةْ...
... ... ...
الرّيحُ قادَتْنا بعيداً...
سوف أرجعُ خاسراً كلَّ المراكبِ
خاسئاً متصدّعاً من وحشتي
ستزورني الأشباحُ عاريةً،
ويجلدُها الصَّقيعُ فتدفُقُ النّيران من أجراسها
وأنا مع الأشباح أرقصُ تحت قنطرةٍ مهدَّمةٍ
يميل معي ظلامٌ قربَهُ سكِرَ الظَّلامْ
وأراكِ أبعدَ ما يكونُ...
كأنَّك الحرفُ الجديدُ من اللّغةْ
أهذي به، أهذي...
فقد نفِذَ الكلامْ...
_________
17/2/2001