حضور البنفسج - علاء الدين عبد المولى

زار البنفسجُ دارنا
هتكَ الغناءُ ازارنا
وتمايلْت حبلى بشهوتها أصابعُنا،
ونّزّلْنا على وادي الهوى أمطارَنا
يا حُبُّ... عِرقُكَ نابضٌ بالحبِّ،
فلتتبَعْ إذاً آثارنا
ولنُنْهِ في هذا اللّقاء حصارنا.
...
... ... جاثٍ على أعتاب ذاكرتي ... ...
رسمتُ حديقةً أجريتُ فيها سلسبيلاً،
ثمّ جئتُ بمقعدين:
هنا تكّورَ هيكلي، وهناك مازال الفراغُ...
لمستُ أطراف الهواء فمسَّني بردٌ، رجفتُ
ورحتُ أُنطِقُ صمتَ هذا الأفق،
كان الأفقُ شمساً مقفلَهْ
بعثرتُ أسئلتي، فبعثرني المدى بالأسئلَهْ
من أين يأتي الشّعرُ؟
هذا المقعدُ الخشبيّ يزحفُ
باتّجاه الجدول العسليِّ
يلقي فيه ظلاًّ:
/ أيّها الماضي إلى الماضي،
هرمتُ من الفراغ ومقلتا هذا المغنِّي
تثقبان سياجَ صمتي.
هل فيكَ ما يعلو على الإدهاش؟
هل في ضفتيك كمونُ سيّدةٍ تهبُّ من العراءِ؟
تريحُ فخذَيْها هنا،
ينشقّ نهداها عن الأسرار يكشفها المغنّي إذ يسمِّيها بنفسجةَ
الولادةِ، يجمعان فتات أحلام الخريفِ
يتأمّلان سحابةَ الجوع المخيفِ
أو يسجدان إلى الرَّغيفِ؟ /
من أين يأتي الشّعرُ؟
مَنْ يحنو عليّ أنا المغنّي
متأبّطاً شمسَ النّهار وشهوةً ترعى غزالتُها على جسدي،
أنادي: يا غزالة فلتجنِّي
إنّي جننتُ بشهوتي وجنحتُ للعشق المجنّح: طِرْ...
فما أبقتْ رياح اليأس من قمحي ومنّي،
غيرَ التَّعلُّق بالخطايا...
من أينَ يشرقُ وجهكِ المطمورُ تحت الماءِ؟
آه يا بنفسجة العذارى
آن لي أن أفتحَ الرّئتين حتَّى آخر الأفق
المعبَّأ بالنَّسيمْ
شعراً ملأتُ الأرض،
شعراً في الحنان وفي الحنين وفي الجنونِ...
فأشفقي يوماً على هذا الجحيمْ...
...
... ... جاثٍ على أعتاب ذاكرتي/
هي الذّكرى تصبّ حرائقاً في كأس جمجمتي
فتشتعلُ الزّهورُ البيضُ في رئتي
وتلهثُ شهوةً لغتي ويسرقني البنفسجْ
ليحلَّ فيَّ الكوكبُ الجنسيُّ مخموراً، بنشوته توهَّجْ...
وتركتُ يأسي في الحديقة، عدتُ،
كان المغربُ الورديُّ منهمكاً بقبلاتِ الوداعْ
يمَّمتُ شَطْرَ مآذن الحيّ المُقيمِ،
حملْتُ صُلباني،
ومغشيّاً عليَّ رُميتُ من وَجْدِ السَّماعْ.
كان البنفسجُ عالقاً بضياء مئذنةٍ...
سيجلدُني البنفسجُ كلَّ يوم خمسَ مرَّاتٍ،
وأسهرُ تحت أضلاعي لأروي عن فروض الحبِّ إرثاً
بات يسكنُ في النّخاعْ
كم غبتُ عن وَصْلِ البنفسج... يا سَهَرْ
وشُغلْتُ عن حبّ البنفسج بالصَّلاة على حَجَرْ
جادلتُ شكَّ الرّوحِ، هل تمضي فصولي قبل أنْ
أجدَ البنفسجَ في النّشيدِ، على الجدارِ،
على المدار، على الشَّجرْ؟
من أين يأتي العقمُ؟
من سمّى الغيابَ إلهنا؟
ربّي هنا جسدٌ طهرْ
لامستُهُ بأصابعي فتنزّلتْ منه قناديل القمرْ
وهتفتُ فيه أن ينقّب في ظلام الرَّمل عن وجه المطَرْ
أنا كائنُ الأفراح، لا غيبٌ يساومني على الرّؤيا
ترابيٌّ أنا
أن لامسَ العشّاقُ وجهي قلتُ:
ها... إنَّ البنفسج قد حَضَرْ.
وبهذه الرؤيا أفكُّ عُرى الحوارْ
وأشكّ في ظلِّي وفي قولي وفي أهلي وفي شكل الغبارْ
حتّى يطلُّ عليَّ عيدُ الأرض،
أحشدُ فيه أعراس الطُّفولةِ...
فلتقمْ من قبرها أمم السَّنابلِ
ولتؤرّخْ من جديدٍ روحها
ولتمض، تسكُبها جرارُ الحبِّ من دارٍ لدارْ.
...
زار البنفسجُ دارنا
هتكَ الغناء ازارنا
.................
............. ولنُنْهِ في هذا اللِّقاء حصارَنا
_________
4/5/1992.