مرثية الأرض - علاء الدين عبد المولى
26/ حزيران/1993
كوكبُ الأرض منشغلٌ بمرايا الدّخانِ
صباحاتُهُ احتشدتْ في ثقوبِ تسرّبُ أسماءَهُ
الشَّجرية نحو جموع الجرادْ
تستفيقُ الطبيعة من وطأة النَّومِ
تدفعُ عن صدرها ثوب كارثةٍ
وتردّ- بكفّيّ نباتٍ- ركامَ الحديدْ.
غير أني أرى رئتيها تعومان في بركة سرطانيّةٍ
يتقدمُ وحشُ النّحاسِ من القلب والقلبُ يبتكرُ الماءَ.
للماء عرشٌ قديمٌ يسلِّمُهُ الوقتُ للهذيان المقيمِ
على كتفٍ من مآتم.
للماء سيرتُه الوثنيَّةُ
للأرض قِبلتها البشريةُ
والأرضُ: كوكبها المتهالكُ تسندُهُ عرباتُ التَّلوث والانشطارْ
وأنا أرصدُ الرّيح كيف تهبُّ
وتحملُ من كل جنس براعمَ طافحةً بالرَّحيقْ
لكِ يا ريح ذاكرةٌ ليس من حجرٍ نبضُها
فاذكري جنّةَ القمح تُكسرُ فيها المناجلْ
اذكري مهدَ من يتمته المواويلُ بعد غياب النَّشيدْ
نحن من غابة الفحم نحشو شراييننا
نتدفأ من خشب يتفسَّخُ
ثم نصلِّي على لحظة الخصبِ
تتبُعنا حشراتُ الهواءِ، كنوزُ البحارِ،
مدارُ النبات، وعرس البناتْ
ثمَّ تتبعنا الأرض قاطبةً لتضيف إلى قبرنا
حجراً تتفتتُ فيه عظامُ الحياةْ .
... ... ...
كوكب الأرضُ يُدْعى إلى حفلةٍ سيفاخرُ فيها
اليتيمُ بجثّة والده عندما يمزج البيدرُ الأبويُّ
قبابَ السَّنابلِ بالَّلهبِ المتطاير من حَجَرِ الشَّمسِ...
يا شمسُ رفقاً بأطفالنا اليابسينْ
يلعبون على ساحة الثلج،
يتخذُ الثَّلجْ شكلَ الصّفيح المحمَّى
وتنكسرُ الكريات الخصيبةُ عقما...
لأيةِ أنثى تزفون هذا اليباسَ يجادلُ شطآننا؟
أيّ حقلٍ ستبقى يداه تضيئانِ بالسّنبلِ العاطفيّْ؟
أيها الساهرون على جسدِ الأرضِ
هل تبصرون الشّروخَ الجديدة فيها؟
تبصرون الجحيمَ يحاورُ جنَّتها
وترفُّ النسورُ على وجهها الغضِّ
هل أنهكتُهُ الحروبُ؟
تعالوا لنسبرَ جرحَ البرايا
تسيلُ العصافيرُ منه بلا أجنحهْ
لغة الأفقِ منسيةٌ في كتابِ العصافيرِ،
كيف نحلقُ والعضلاتُ سباها النّعاسُ
وأودى بها معدن المذبحهْ
كيف تعبُرُ ضاحيةَ الحُبِّ
هذي الجماجمُ أَسكرها أنها عشقَتْ
ثم كسَّرَها أنَّها امتلأتْ بصديد الكلامْ.
لن نتابعَ رحلتنا فالخُطا جارحَهْ
والمسافاتُ تجمَحُ بالبُعدِ،
والرَّاحلون استقالوا
ومنْ سوف يأتون جاؤوا نيامْ
هل نغادرُ نحو فضاءٍ من الشجر البكرِ؟
نخلق من رمل صحرائنا موجةً تتوسَّمُ فيها القوافلُ عيداً،
هنا يكمنُ الغد فينا ضمائرُهُ عائداتٌ إلينا
أننسى ليالي التكلّس والانبهار بناطحة للسَّحابِ
ونَمضي خِفافاً إلى شفق الماء والعشبِ
والزهر والعاشقاتِ الخجولاتِ في مهدهنَّ
المبطَّن بالرُّوحِ
هل نستعيدُ لكوكبنا المتصدِّعِ آيتَهُ
إنني كاشفٌ في رياح الشّمال ملائكةً من معادنَ...
هل تتوثبُ ريح الجنوبْ؟
إنَّني أنَّةٌ في ضمير الغرائزِ يصبو النَحاسِ إليها.
ويشلّ شفافيةَ الطَّيران الملَوَّن.
يا قزحيَّ الجهات أغثنا
سيغمرنا مطرُ الفَحْمِ في ليلةٍ يتحجرُ فيها القمرْ
يا قزحيَّ الجهاتِ
أغثنا فنحنُ هنا: بشرٌ من كلامٍ يطوفونَ
حول مدار السَّديم المجوَّفِ،
يتلونَ بضعَ وصايا توارثَها الجدُّ عن جدِّه
يشكرون الحدائقَ تصمد في وجه صبَّارهم
يُسْلمُونَ بصائرهم لتعودَ إلى أيِّ أفقٍ جديدٍ
يرنّ بأجراسهِ المطريَّهْ
بشرٌ من لهاثٍ سيطوي البداياتِ فوق النِّهاياتِ
في بيئةٍ من بحارٍ يضاجعُها الكائنُ النَّوويُّ
فينتحرُ الماء من شرفةِ الموج تنزاحُ شطآنُهُ،
وتحت الرياحُ ممالكَهُ اللؤلؤيّة
... ... ...
كوكبُ الأرض يُقْطَفُ من شاهقِ الأفق تفّاحةً نوويَّهْ
تتقاسمها البشريهْ