رسالة الدكتور جيكل والمستر هايد - غادة السمان

أيها الغرباء، الذين يبدأون عاماً جديداً بعيداً عن الأوطان أياً
كانت الأسباب، بعيداً عن أصدقاء الطفولة والصبا، بعيداً عن
البيت العتيق الأليف اللامنسي، بجذور عارية ترتجف برداً في
شوارع الغربة المثلجة...
أيها الغرباء الذين يستقبلون سنة جديدة بالغصّة السرّية مثل
فراشات معلقة بالدبابيس على جدران الوحشة،
أينما كنتم،
تذكّروا أن شرياني المفتوح على الورقة الملقب بالكتابة هو
منكم ومعكم،
تذكّروا أنني أشاطركم ذلك الدمع العصي،
تلك الأصوات الخافتة عند منتصف الليل،
وانشطار الروح إلى شخصيتين، واحدة تتابع سهرتها في
الغرب، وأخرى تمشي في شوارع الذاكرة وبيروت قرى الحنين
كأي دكتور جيكل ومستر هايد حاضر في المكانين معاً.
يرقص التشارلستون في نيويورك والدبكة في لبنان... ويسبح
في نهرين في آن!
أيها الغريب،
تذكّر أنني أشاطرك نزف القلب خلف ابتسامات الكبرياء،
أشمّ راحة غليون التجلد وأنت تدخن ما تتوهم، أستحمُ معك تحت
شلال التوق المستحيل، وأضمّك إلى قلب أبجديتي بدفء
المحبة كطفلين في ميتم كوكب الأرض يتدفأ كل منهما بالآخر
في كهف الصقيع والمجهول.
ها أنا أركض في ممشى قطار منتصف الليل الماطر (عكس
اتجاهه) وأحاول أن أجفف عن وجهك قطرات المطر ، أم تراه
دمعك؟
ميلاد مجيد أيها الرجل الوحيد وسنة جديدة قدر الإمكان!
أعرف أنها تمطر سراً بين قميصك وعنقك، وبين جلدك
وعظامك.
أعرف أنك ترمم أزمنة مهلهلة في الوطن وتنسب إليها فضائل
لم تكن لها كلها...
أعرف ذلك لأنني مثلك.. والأيام تحفر في أعماقنا بئراً
سرية نهبط باستمرار إلى قاعها،
نختبئ في الظلمة لنهذي بالعربية ونحن نرقص "الروك"
ونرطن بالإنكليزية!