الشامية الجارحة المجروحة - غادة السمان

أين تلك الامسيات المتقشفة اللطيفة في ساحة النجمة
الدمشقية،
حين كان القلب يجنّ فرحاً لطلوع القمر، وهبوب رائحة
الياسمين على الشرفة، وأصوات الليل الشامي المجنون هوى بما
لا يدريه؟
أين ذلك الصدى
الذي كان أعلى من كل الأصوات،
وتلك الظلال الأكثر حقيقة من كل الأجساد؟
أين تلك الأوهام الغابرة الأكثر كثافة من أي صدق؟
وأين تلك الرعشات التي تولد من اللاشيء لتصير كل شيء؟
وأين تلك البنت الطيبة التي لم تكن تحلم بأكثر من حبيب
اسمه الاستقرار، ومنحها القدر كل شيء باستثنائه؟
أين تلك الصبية التي لم تكن لتذوب في النوم إلا لتتجسد في
أحلامها حقيقة خرافية؟
أين تلك البنت الضالة التي لم تضيّع يوماً نجم قطبها ولم
تتقن يوماً فن التلاشي ولا فن الاستقرار فتحولت إلى مركب يهيم
على أبواب القارات؟
أين تلك العاشقة البسيطة التي تنشد المطلق في كل رجل،
حتى دمرت رجالها بشهوة الكمال المستحيل؟
أين ذلك الصوت الذي بدأ صراخه داخل أذن الحبيب
المجهول، ثم صار يصرخ في البرية بين الماء والماء على طول
أربع قارات وعمقها؟
ثمة لحظات نادرة في بيروت...
على شاطئ البحر الساكن المسائي،
ألمح فيها وجهها حين أحدّق في المياه الأزلية...
أيتها البنت الشامية الجارحة المجروحة، أما زلت تذكرينني
كما أذكرك؟
عيد سعيد أيتها القاتلة القتيلة!