دُرُوبٌ مُوجِعَةٌ إلى المدينَةِ الحُلُم .. - قحطان بيرقدار

لِرَبيعٍ أَسودَ
أُغْمِضُ عَينيَّ الدَّامِعَتَينِ
وأَفتَحُ قلبي
حتّى يَتَّسِعَ لأَحْزانِ الكُرَةِ الأرضيَّةِ
حينَ يكونُ الناسُ حَقِيقيِّينَ
ولو لِدَقَائقَ
يُؤْلمهُمْ
وَجَعي المَنْقُوعُ بِمَائِكَ يا دِجْلَةُ
منذُ القَرْنِ السَّابعِ لِلهِجْرَةِ..
يُؤْلمهُمْ
هذا الشَّلَلُ المُمْتَدُّ
مِنَ الوِجْدَانِ
.. إلى الأعصابِ
..إلى الأفكارِ
إلى ...
الأيامُ هيَ الطَّيْنُ البَشَرِيُّ
المُتَناثِرُ بينَ النّارِ
وبينَ الماءِ..
وأَفْتَحُ قلبي كالبركانِ
لأُبْصِرَ أكثرَ تحتَ الأَنْقَاضِ..
لأَلْمَحَ أحلامَ الأطفالِ
تَطيرُ معَ السُّحُبِ السَّوداءِ
لِتَسْكُنَ في الشَّمْسِ
ونَفْسِي
تَتَشَظَّى في الفَجْرِ
حَمَامَاتٍ بيضاءَ
تَحُطُّ على أَطْرَافِ المَوْصِلِ
تُصْغِي لأَنينِ حَمَائِمِهَا..
وتُمارِسُ ثَوْرَتَها العَفْوِيَّةَ:
هذا الدَّرْبُ
يَقُودُ إلى بغدادَ..
وذاكَ
إلى الأَنبارِ..
فَيا أَجْنِحَتي!
فَلْتَمتَدِّي فَوْقَ تُراثِكِ
إنَّ الدَّنَسَ الشَّيْطَانيَّ يَحُومُ ويَدْنُو..
فَلْتُخفِي تَحْتَكِ كُلَّ كُنُوزِ بني العَبَّاسِ
انْتَظِري المَنْصُورَ لِيَرْجِعَ
والمأمونَ..
وعِيْشِي الآنَ رَبِيعَكِ
كالإِعْصَارِ...
* * *
وحيداً أَقْبَعُ تحتَ رَمَادِي..
أَبْصُقُ أَسْئِلَتي في وَجْهِ الأَوْرَاقِ..
بريئاً
أَبْدُو حينَ أُعَبِّرُ عَنْ أعماقي..
هذا الهَذَيانُ الشِّعْرِيُّ
يَقِيني البَرْدَ هُنَا في كُوْخِي الثَّلْجِيِّ..
أنا مِنْ سُكَّانِ المِرِّيْخِ..
ولا شَأْنَ لأُمِّي أَنْ تبكي مِنْ أَجْلِ
البَصْرَةِ..
لَسْتُ دِمَشْقِيّاً..
لا نَجْدٌ تَعْرِفُني
أو سَبَأٌ
أو سَيْنَاءُ..
وليسَ بِمرَّاكِشَ أَجْدَادٌ لِصَدِيقي..
كيفَ تَثُورُ النَّخْوَةُ في صَدْرِي
فَأُرَابِطُ في الصَّحْراءِ؟!
عليَّ الصَّمْتُ..
.. عليَّ الصَّمْتُ..
فإنَّ النَّوْمَ وَنَوَّارُ يُغَطِّيني
بِلِحَافٍ مِنْ رِيْشٍ
يَمْنَحُنِي النَّشْوَةَ
حتَّى الذُّرْوَةِ..
حتَّى العَارِ..
* * *
أنا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
مَفْجُوعٌ حتّى الإِيمَانِ
بِأَنَّ الأرضَ سَتَخْرُجُ عَنْ مِحْوَرِهَا
ذاتَ نَهارٍ..
والأَحْقَادُ سَتُمْطِرُ ..
تُمْطِرُ
حتَّى تَنْفَلِقَ المَعْمُورَةُ نِصْفَيْنِ:
أنا
في النِّصْفِ الأَوَّلِ..
والتاريخُ تُفَكِّكُهُ البكتيريا
في النِّصْفِ الآخَرِ...
مَنْ سَيَقِينَا
حينَ تَدُورُ علينا دَائِرَةُ السَّوْءِ؟..
أليسَ لمروانَ بنِ الحَكَمِ
خُيُولٌ في جَنَباتِ الشَّامِ
وفُرْسَانٌ..
وسُيوفٌ ذَرِّيَّهْ؟..
أَوَ لَيْسَ صَلاَحُ الدِّيْنِ
يُشَاهِدُ أثناءَ النَّوْمِ على كَتِفِ الأمويِّ
كوابيسَ
فَيَنْهَضُ مَذْعُورَاً
وَيُلَوِّحُ لِلرَّايَاتِ العَرَبيَّةْ؟..
أَوَ ليسَ لِمَائِكَ
يا بردى
مِنْ بَعْدِ القَصْفِ على بَغْدادَ
مَقَاصِدُ وَحْشِيَّهْ؟..
مَنْ سَيَقِينَا
نحنُ المَطْرُودِيْنَ مِنَ الرَّحَمَاتِ
إذا أَصْبَحْنَا نَشْرَبُ قَهْوتَنَا
باليورانيوم
خلفَ نَوافِذِنَا المَخْلُوعَةِ
والجُدْرَانُ تَمِيْلُ علينا؟..
كيفَ تَركْنَا هولاكو
ما بينَ النَّهْرَيْنِ
يَعِيْثُ فَسَادَاً؟..
كيفَ سَنَشْرَبُ مِنْ ماءِ النَّهْرَيْنِ
أَنَشْرَبُ مِنْ أَوْرِدَةِ المَظْلُومينَ؟!..
حَرامٌ
أَنْ نَرْوِي ظَمأً بَعْدَ اليومِ
وتلكَ العَذْرَاءُ المَنْكُوبَةُ
مُمْطَرَةٌ مَطَرَ الدَّنَسِ الشَّيْطَانيِّ..
حَرامٌ
أَنْ نَنْسَابَ معَ الشَّهَواتِ
ونُهْمِلَ مالا يُهْمَلُ..
هذا وَقْتٌ
كي نَرْتَدَّ عَنِ الوَثَنيَّةِ بعضَ الشَّيْءِ..
نُقِيْمَ قِيَامَتَنَا بِيَدَيْنَا ..
وَنَزِيْدَ النَّارَ..
وَنَقْتُلَ .. نَقْتُلَ
مَنْ يَقْتُلُنَا..
حينَ يَكُونُ النَّاسُ حَقِيْقِيِّينَ
ولو لِدَقَائِقَ
لنْ يَأْكُلَنَا
سِرْبُ جَرَادِ القَرْنِ الحادي والعِشْرِينَ..
ولن تَمْضَغَنا أفْوَاهُ الأحْقادْ ..
وَسَنُشْرِقُ .. نُشْرِقُ ..
نحوَ العَالَمِ مِنْ بَغْدَادْ ...