النجوى السادسة - محمد موفق وهبه

ففي ليلةٍ مِنْ ليالي الشِّتاءْ
بُعَيدَ انطِفاءِ المَصَابيحِ بَعْدَ اختِفاءِ الصِّيَاحِ بعُمْق الحَوَاري
وَبَعْدَ خفوتِ الغِناءْ
خرَجْتُ إلى خِربَة الذكرَيَاتْ
أفتشُ أبْحَثُ عَنْ أثرٍ غارَ تحْتَ ترَابِ الزَّمَانْ
لِمَاضٍ بكِلتا يَدَيَّ ذبَحتُهْ
بكلتا يَدَيّ دفَنتُهْ
وَلمَّا تعِبْتُ وَلمْ يُجْدِني البَحْثُ عَنهُ
وَلمْ يَبْقَ في رَاحَتيَّ سِوَى الشَّوكِ مُلتصِقا بالدِّمَاءْ
مَسَحْتُ جَبينِي
مَشَيْتُ دُرُوباً مَشَى مِنْ قديمٍ عَليها فؤادي
دروباً من الغَمّ والحزنِ تعلو تغورْ
يجول بها الوحشُ والغولُ، مزروعةً بالصّخورْ
دروباً ثعابين لا ينتهي طولُها المتمادي
أماميَ خلفِي.. يميناً شِمالاً تلفُّ تدورْ
ظللتُ أسِيرْ
وَحَوليَ تصْرخُ بي ذكرَيَاتِي
إلى أنْ وَصَلتُ إلى سَاحَةِ (الحَاضِرِ)
أجُرُّ فؤادِي، وَيَدْفعُنِي أمَلٌ يَتلوَّى
جَريحاً طريحاً عَلى أفق الوَهْمِ والخاطِرِ
عَبَرْتُ..
خرَجْتُ إلى سَاحةِ الحَاضِرِ
وَأغلقتُ خلفيَ بَوَّابَة الذكرَيَاتْ
وَألقيْتُ مِفتاحَهَا فِي الترَابْ
وَسِرْتُ..
لمْ أعرفِ (الحاضِرَ) إلا زَائِفَ الإهَابِ والثيابْ
لَم أَعرِفِ (الحاضِرَ) إلاّ فاقِدَ الإحساسِ مَوبوءَ الضَّميرْ
فمَا قصَدْتهُ لأسْتعيرَ مِنهُ لحْظةَ السُّرورْ
أوْ جُرْعَةَ الدَّوَاءِ والسُّلوَانْ
إلا وَرَدَّني مُمَرَّغاً بوَحْلِ الحُزْنِ مَطعُوناً بسِكينِ الأسَى
وحينما قصَدتهُ أنشُدُ بَعضَ العَطفِ مِن فُؤادِهِ
لأَستَرِدَّ بَعضَ آمالِي التي شَرَّدَهَا، لَم يُعطِني الأمانْ
بَل زادَ في التَّنكيلِ حينَ رَدَّني
طَرَدَني
يا وَيحَهُ استَباحَ في قَسوَتِهِ
ما خَلَّفَ الشَّقاءُ مِنْ بَقيَّةٍ مِنْ قُوَّةٍ في بَدَني
جَنى عَلى الآمالِ عَرَّانِي مِنَ الرَّجَاءْ
وَلفنِي بالخيْبَةِ السّوداءْ
وَمُنذ تِلكَ الليْلةِ المَشْؤومَةِ البَعيدَهْ
أعْلو حِصَانَ الحُزْنِ كلمَا ادْلهَمَّتْ ليْلة جَديدَهْ
يَعْدو وَيَعْدو بي إلى بَوَّابَةِ الذكرَى
أبْحَثُ عَنْ مِفتاحِها المدفونِ في الترابْ
يَا شَهْرَزَادْ