النجوى الثالثة - محمد موفق وهبه

مِن بِقاعِ الأرضِ مِن كُلِّ البِلادِ
طارتِ الأنفسُ بيضاءَ الجوانِحْ
لِتُصافِحْ
أنفُساً بيضَ المَلامِحْ
والمَطامِحْ
وتلاقى الشرقُ والغربُ على دربِ الرشادِ
فاطمأنّت في ربوع الكونِ مُهجاتُ العِبادِ
عَصرُنا جَمَّعَنا في (هَيئَةِ للأُمَمِ المُتَّحِدَهْ)
تَدفَعُ الشَّرَّ بِكَفِّ الوُدِّ تَمتَدُّ وَكَفٍ مِن وِئامْ
تَحتَ عَينَينِ وَجُنحَينِ لِدُستورِ السَّلامْ
شُكراً للأُمَمِ المُتَّحِدَهْ
مِن قَلبٍ يَخفقُ مُبتَهِجاً ويمدّ يدَهْ
ليصافحَ ممتَنّاً عصر الإنسانْ
ويعطّرَ بالآمالِ غَدَهْ
وَيُشارِكَ في العيدِ نِساءَ الدنيا
شُكراً لِيَدٍ سَكَبَتْ فوق رمادِ قضايانا العطشانْ
إبريقَ نَدىً وحنانْ
شكراً لِيَدٍ غَسَلَت وَجهَ التّاريخِ بِماءِ الرَّيحانْ
فَصَحا من غَفْوَتِه.. ارتدّ إلينا حيّا
مَسَحَت عَن عَينَيهِ قَذىً أَعماهُ زَماناً وَزمانْ
وَأعادَت لِكتابِ حَضارتِنا
ولِسفرِ الإنسانِيَّةِ أبهى عُنوانْ
ماذا يشغلُ بالَ العالم..؟ هل جدَّت أخبارْ..؟
لِمَ تزهو الدُّنيا يَا أُختاهُ..؟ بمَ تحتفلينْ..؟
بالعامِ الخامسِ والسَّبعينْ..
عامِ المَرْأَةِ في كلِّ الأقطارْ..
مع نور الأمس أَتَى ومضى، هَلْ عادَ يُجددُ عهدَ زمانْ..؟
تَكريمُ المَرْأَةِ كانْ
في هذا العالَمِ مُذْ نَزَلَ القرآنْ:
العَدْلُ عَلَى الأَرضِ يَسُودْ
وَالناسُ كَأَسْنانِ المشْطِ سَوَاسِيَةٌ، وَالْكُلُّ عَبيدْ
للخَالقِ لِلرَّحْمنْ
المرأةُ وَالرَّجُلُ اثنانْ
زوجان بِحُكْمِ اللهِ يَعيشانْ
وَبِلا تَفْضيلْ
لا غالبَ لا مغلوبَ شَريكانْ
بِرِعايَةِ رَبِّ الأَكْوانْ
لكنَّ رَمَادَ الجهْلِ طَغَى
وانْحَسَرَتْ أنوارُ العِرفانْ
رُدِمَتْ في أقبِيَةٍ من ظُلمٍ وظلامٍ أَزْمَانْ
وَالرَّجُلُ عَلى الضِّلْعِ القاصِرِ في الكَوْنِ بَغَى
وَتزلزلتِ الشُّرُفاتْ
منْ بُنيانِ العدلِ انْهَدَمَتْ أَرْكانْ
دَفَنَتْ في الأوحالِ ضَميرَ الرَّجُلِ الإنْسانْ
فانشَلَّ وماتْ
وَارْبَدَّتْ آفاقٌ كانتْ تَتَلألأ بالإيمانْ
ومدَّ سواد الجهالة فوقَ الرؤوسِ ظلالَهْ
وخَيّمَ ليلٌ مريرٌ ثقيلْ
فنامت عيون التفاؤل فينا، وَشُلَّت يمينُ العَدالَهْ
وبعدَ انتظارٍ طويلٍ طويلْ
صحا الحَقُّ أشرَقَ فجرٌ جميلْ
وبشّر أختي بكلِّ مكانْ
بميلادِ يومٍ جَديدْ
يكونُ لكلِّ النِّساءْ
وكلِّ المحبينَ للعدلِ أجملَ عيدْ
وشدَّ الظلامُ رحالَهْ
أهْلا بالعَامِ الخامسِ والسَّبعينْ
وأخيراً عُدتَ إِلينا بعدَ غِيابٍ طالْ
وَنُزُوحٍ غاصَ بأعماقِ الأجيالْ
فَرَكِبنا أَجنِحَةَ الأشواقِ سبقنا أطيارَ الآمالْ
وتلاقَينا تَغمِرُنا البَهجَةُ والأفراحْ
فشَربنا مِن خَمرِ مَسَرَّتِنا أقداحْ
ونسينا غَيظاً سَقّانا الأَتراحْ
أهلا بالعامِ الخامسِ والسبعينْ
عامِ حَرَائِرِ هذا العَالم أخوَاتِ الأحْرَارْ
يَا أهلَ الأرْضِ يناديكم صوتٌ هدّارْ
صَوْتُ الإنسَانةِ وَالإنسَانْ:
الرَّجلُ شَقيقُ المَرْأةِ فِي كلِّ الأزْمَانْ
وَالإنسَانةُ أختُ الإنسَانْ
في كلِّ مَكانْ
وَالدُّنيا المَعْمورَةُ بالزَّوْجَيْنِ مَعَا
بالإثنينِ مَعَا
يَا أهلَ الأرضِ يُناديكمْ صَوْتُ لأحْرَارْ
زَمَنُ اسْتِعْبَادِ المَرْأةِ وَلَّى وَانْهَارْ
رَغمَ الجَهلِ المُتعَفنِ يَنعَقُ فِي الأبْوَاقْ:
المَرْأة عَارْ
وَالحُريَّةُ للمَرْأةِ عَارْ
قدْ جَاءَ العَامُ الخامِسُ وَالسَّبعونْ
عَامُ المَرْأةِ فِي كلِّ الأقطارْ
وَانحَطمَ القيدُ ارتفعَ النيرُ عَنِ الأعناقْ
في يومٍ عمَّمَ غُرّته إكليل الغارْ
كسَرْتْ فيهِ النعْجَةُ سِكينَ الجَزَّارْ
وَارتاحَ التاريخُ المَصلوبْ
وعرفنا أن الحقّ المسلوبْ
لا بُدّ يؤوبْ
وَاحْتفلتْ أختِي ببزوغ الفَجْرْ
ونزوحِ القَهْرْ
وأطَلَّ العيدْ
عيدٌ سعيدْ
عيدٌ مَجيدْ
بُشْرَى لَكُنّْ
ما كانَ بالأمسِ مُحالْ
قَدْ جَاءَكُنْ
بالمَبْسِمِ العَريضِ بالآمالْ
أحلى المُنَى
نَزُفُّها نحنُ الرِّجالْ
لَكُنَّ يا بَناتِ هذا العصرِ منْ قُلوبِنا
لِمَقْدَمِ العهدِ الجديدْ
يا شهرزاد
لوْ كنتِ مِنْ بَناتِ هَذا الجيلْ
لكنتِ قد شَارَكتِ كلَّ نِسْوَةِ الدُّنْيا بعيدِهِنَّهْ
مُبارَكٌ لهُنَّ عيدُهُنَّهْ
لكنتِ قدْ رَأيْتِ أعْلامَ الوَفاءْ
تَرفُّ كالنجومِ بالبريقِ والضّياءْ
ترفُّ فِي سَمَاءِ هَذا العَالمِ المُجلِّ لِلنسَاءْ
لكنْ وَيَا للأسَفِ الشَّديدْ
أرَادَتِ الأقدَارُ أنْ تكونَ شَهْرَزَادْ
مِنْ ذلكَ الجيلِ البَعيدْ
فِي ذلكَ العَصْرِ البَعيدْ
عَنْ نورِ هَذا العَالمِ الجَديدْ
جَهْلٌ وَنِفاقْ
فقرٌ وَ وَبَاءْ
ظلمٌ و ريَاءْ
كانتْ فِي الشَّرْقِ تغَطي فرَحَ الزُّرْقةِ فِي الآفاقْ
وَتُعَتِّمُ نورَ الأحداقْ
بالأمسِ الرَّجُلُ إلهٌ جَبَّارْ
يحكم أسرته بالقهرْ
وَالمَرْأة عَارْ
تخرجُ مِنْ دارِ أبيها دونَ رجوعْ
تدْخلُ دَارَ الزَّوْجِ لأوَّل مرَّهْ
وَلآخِر مرَّهْ
الذلُّ يصاحبها والذّعرْ
فإذا لمْ تخرجْ بطلاقٍ وَدُموعْ
لنْ تخرُجَ إلا للقبْرْ
إذْ كانتِ المَرْأة في المنزلِ مِنْ أثاثهِ الفتّانْ
كَتُحْفَةٍ غاليةٍ نفيسَهْ
جَاءوا بها لِتدخِلَ المتعةَ والرَّاحَةَ وَالسُّرورْ
على حياة المقتني الهيمانْ
كالتختِ والكرسيِّ والقنديلْ
والمسك والعنبر والبخورْ
وا حسرتا.. على نفوسٍ حرّةٍ حبيسَهْ..!
وا حَسْرَتا.. عَلى بَناتِ ذلكَ العَهْدِ..!
قَدْ عِشْنَ فِي القَيْدِ بِلا قَيْدِ
عِشْنَ وَما مَلَكْنَ أمرَهُنْ
وَا حَسْرَتا..! تَمْضي حَيَاتُهُنْ
لا بارقٌ بها ولا آمالْ
كَمَا الدُّمَى يَلهو بِها الأطفالْ
وقدْ يكونُ عمرُها أقلَّ منْ ثوانْ
قدْ يَسْمَحُ الحظُّ فَتُؤْثَرُ
يطولُ عمرُها وتكبرُ
لكنْ إلى النِّهايَةِ التَّعيسَهْ
لا بُدَّ تُكْسَرُ
وَاليومَ هُما اثنان بِلا تفضيلْ
لم يشترِ بالمال امرأةً لكن خيَّرَها واختارْ
لمْ ترفعْهُ وَتحقِرْهَا الأقدارْ
لا غالبَ لا مغلوبَ شَريكانْ
زوجانِ حبيبانْ
في عقدٍ باركَ فيهِ اللهُ زَواجَ الإنسانْ
مَيَّزَهُ عنْ باقي الخَلْقِ مِنَ الحَيَوَانْ
طَيرانِ بِفَردَوسِ الأحلامْ
غَرِدَينِ يَزُقّانِ فِراخاً وبِحُكْمِ اللهِ يعيشانْ
حكمٌ حلوٌ وَجميلْ
ما سَوَّدَ غُرَّتَهُ زَيْفٌ ما سَوَّدَ غُرَّتَهُ تَضْليلْ
حِبّان يضمّهما حُبٌّ وَسَلامْ
ودٌّ وَوِئامْ