ساعات قصار - محمد موفق وهبه

هَجَـرَ اللَّبيـبُ دِيـارَهُ.. و أَعـدَّ زاداً لِلسِّـفارْ
ورمى البَهـارِجَ خلفَـهُ وأَوى إلى ظِـلِّ الجِدارْ
ماذا وراءَكَ يا لَبيـبُ ألا تَعـودُ إلى الدِّيـارْ..؟!
في الرَّبـعِ أَحبـابٌ أَمَضَّهُمُ نَـواكَ وفي الجِوارْ
لا يَستَطيعـونَ السُّـلُوَّ وَلا يُطيقـونَ اصطِبـارْ
هَيَّأتَ نَفسَـكَ لِلرَّحيلِ، هجرتَ مَن خَلَعوا العِذارْ
وَصَحِبتَ كُـلَّ مُبَتَّـلٍ ألقى على الدّنيـا سِـتارْ
وحَمَلتَ زادَكَ والمُـزادَ.. لَزِمـتَ ليـلَ الإِدِّكارْ
وَ أَزاحَ قَلبُــكَ عَنـهُ أوقـاراً و أوزاراً كِثـارْ
ونَمـا لُـهُ جُنحـانِ دونَ ذُنوبِـهِ، فَهَفـا وَطارْ
وأَشَـرتَ لِلنّاسِ: اسـتَعِدّوا قَبلَ أَنْ يَصِلَ القِطارْ
يكفي! خسرنا ما مضى والعُمرُ سـاعاتٌ قِصارْ
لِلغافِلينَ دَعوا الدّيـارَ حَذارِ أَنْ تَلِجـوا الدّيـارْ
كُتِبَ الرحيلُ على الأنـامِ فَـلا هَنـاءَةَ أَو قَرارْ
فكأَنَّنـا فـي هَـذِهِ الدُّنيــا بِبَهـوِ الإنتِظـارْ
استيقظوا من نومِكـم لا بُـدَّ أَنْ يَأتـي القِطارْ
لِيُقِـلَّ مَـنْ أَنهـى إِقامَتَـهُ إلـى دارِ القَـرارْ
لا تُمْهَلـونَ لِلَحظَـةٍ إن صاحَ صائِحُـهُ: بَـدارْ
ضاقَتْ بِما رَحُبَتْ فِجاجُ الأَرضِ لَنْ يُجْدي الفِرارْ
سَيُطِلُّ في اللَّيـلِ البَهيـمِ وَ قَدْ يُزَمْجِرُ في النَّهارْ
سَيَجيءُ في الصُّبحِ المُنيرِ يَجيءُ في ليلِ السِّرارْ
في أَيِّ وقـتٍ قَدْ يُداهِمُنـا.. وَ ليسَ لَنـا خيـارْ
قوموا أنيبوا خاشِـعينَ.. تُجَنَّبـوا سُـخطاً وَنارْ
وَتَأَهَّبـوا لِمَجيئِـهِ.. لا بُـدَّ أَنْ يأتـي القِطـارْ
وأمامَنـا يا قَومُ وَعْـرٌ سـوفَ نقطَعُهُ اضطِرارْ
سَـفَرٌ بَعيـدٌ..! و الطَّريقُ بِكُـلِّ ناحِيَـةٍ حِجارْ
لُجَجٌ مِنَ الأَهـوالِ تَصغُـرُ دونَهـا لُجَجُ البِحارْ
دَربٌ كَــؤودٌ لا تُدانيهــا الفَيافـي و القِفـارْ
لَكِنْ، بِدونِ مَشَـقَّةٍ، سَـمَحتْ عَليهـا أَنْ يُسـارْ
إِنْ كانَ سـالِكُها بِما يُنجيـهِ مِنْ تَقـوى استَجارْ
لِتَكُنْ حُمولَتُكُـمْ تُقى الرَّحمَـنِ إنْ حانَ السِّـفارْ
لِيَكُـنْ لَكُـمْ، بِرُّ الأَنـامِ وَكَبحُ شَـرِّكُمُ، شِـعارْ
فمَعـاوِلُ الأضغـانِ تجتـثّ المَـوَدّةَ والوَقـارْ
خيـرُ البِـذارِ الحُـبُّ إِنْ أَحسَـنتُمُ رَعيَ البِذارْ
ذُرّوهُ في مُهَجِ الصِّغارْ
لِيَصيرَ مَرجاً في الكِبارْ
أظلالُـهُ ممـدودَةٌ وَ ثمـارُهُ أشـهـى الثِّمـارْ
تِلكَ النَّفائِسُ سَـوفَ تُبعِـدُ عَنكُـمُ خِزيـاً وعارْ
فَتَزَوَّدوا يا صَحبُ مِنها قَبـلَ أنْ يَصِـلَ القِطارْ
هِيَ حصنُ مَنْ يَبغي السَّلامَةَ والنَّجـاةَ مِنَ الدَّمارْ
قَدْ فـازَ حامِلُهـا فَـلا وَجَـلٌ لَديـهِ وَ لا حِذارْ
طوبى لمن حملَ البَشـائِرَ قبـلَ أن يرقى القِطارْ
طوبـى لمـن إمّـا دَعـاهُ لا يخـافُ ولا يَحارْ
.
15-2- 2005
*الديار: يراد بها الدعة والاستسلام لبهارج الدنيا. القطار: يراد به االموت.
* الربع: المنزل والدار بعينها والوطن.
* الزاد والمُزاد: أي الطعام والشراب.
*صائحُه: أي صائحُ القطار (الموت). بَدار: اسم فعل أمر بمعنى بادر أو أسرع.
*سمحت: أي سمحت الدرب.
*النفائس: أي النصائح الخلقية والدينية التي وردت في القصيدة
* الحِذار: المُحاذرة