حَدَّثَ الشاعرُ عن نُورِ القَمَر - نسيب عريضة

حَدَّثَ الشاعرُ عن نُورِ القَمَر
وافتِرارِ الليلِ عن ثغرِ السَحَر

عن شُمُوسٍ سَطَعت أنوارُها
تَملأ الأرضَ سُروراً والبَشَر

عن رِياضٍ فَتَحت أحضانَها
لعِناقِ الصَبِّ في ظِلِّ الشجَر

عن جمالِ الغيدِ في فِتنَتِهِ
عافَ هاروتُ الخُلُودَ المُنتَظَر

عن عُيونٍ حَلَّها سِحرُ الحَوَر
وخُدودٍ مَسَّها لُطفُ الخَفَر

وقُدودٍ قد طَغى الحُسنُ بها
جائراً جَورَ اقتِدارٍ وظَفَر

ينظُرُ الصَبُّ إِليها كَلِفاً
حَسبُهُ من نَظرَةٍ بعضُ الوَطَر

عن نُفوسٍ ظَفِرَت في عَيشِها
بالذي يرجو مُحبّ قد صَبَر

عن ليالٍ عَبَرَت ما عابَها
في التَلاقي والرِضى إِلّا القِصَر

عن أمانٍ لألأت في لَيلِها
فاز راجِيها بها قبلَ السَحَر

عن حياةِ المَجدِ والحبِّ كما
يَشتَهيها رَهطُ فرسانِ السَمَر

عن جِنانٍ وُعِدَ الخَلقُ بها
وعلى كَوثَرِها نِعمَ المَقَرّ

كلُّ هذا مُطرِبٌ تَسمَعُهُ
نفسُ مَحزونٍ فيُنسِيها الكَدَر

وأنا أَحسِبُ نفسي شاعراً
جاشَ في قلبي عزِيفٌ من وَتَر

وَتَرٌ واهٍ على ألحانِهِ
يَسكَرُ القَلب ويُفشِي ما سَتَر

ضاقَ ذَرعاً بالأسى لكنَّهُ
ظَلَّ في كِتمانِهِ حتى انفَجَر

فاسمَعُوا أناتِهِ تَروي لَكم
رَجعَ ما رَدَّدَهُ صوتُ الغِيَر

عن ظلامِ العَيشِ عن سجنِ البقا
عن فَيافي التيهِ عن ظُلمِ القَدَر

عن ليالي الوَيلِ عن قَطعِ الرَجا
عن دنوِّ البَينِ عن بُعدِ المَفّر

عن خِداعٍ عن شَقاءٍ عن شَجا
عن فِراقٍ عن دُموعٍ عن سَهَر

عن شَقيٍّ عن أبيٍّ عاثِرٍ
عن شَرِيدٍ عن نَبيٍّ مُحتَقَر

عن فقيرٍ حاسدٍ طَيرَ السَما
عن طَريدٍ ما لَهُ العُمرَ مَقَرّ

عن عَذاري بَذَلت أعراضَها
في سَبيلِ العَيش بِئسَ المُتَّجَر

عن ديارٍ بعدَ مجدٍ خَمَلَت
وبَنُوها الصِيدُ صاروا في النَفَر

ما بَقى من عِزٍّ أجدادٍ لهم
غيرُ ذِكرى مَن غَدا ضِمن الحُفَر

عن وكم من أنَّةٍ في وَتَري
في صَداها عَنعَناتٌ عن خَبَر

باطلاً تَرجُونَ لَحناً مُفرِحاً
قَطَّعَت أطرَبَ أوتاري العِبَر

فَدعُوا قلبي معَ الباكِينَ في
مأتَمِ العَيشِ على حالِ البَشَر