مدارات النحاس - ياسر الأطرش

يا للخريفْ‏
كلّ الذين أحبّهم، ركبوا قطار اليأسِ‏
واتجهوا إلى أحزانهمْ‏
حتى المحطة أوصدتْ دمها‏
وما عاد النزيف يعانق الأيدي‏
وما عادت تلوّحُ للمسافر أمهُ‏
سقطتْ مناديل الوداع على رصيف الملحِ.. واختنق السفرْ..‏
يا للرصيفْ‏
أمشي.. ولا تأتي الحبيبة من مخاوفها‏
وأصرخُ.. لا يجيء البرقُ‏
لا أحدٌ أقول له: -أحبكَ‏
غير وجهكِ- في المرايا-‏
حين ينساها على الأرض المطرْ..‏
لو تعرفين إذاً‏
مرارةَ من تصيح عيونهُ.. وينامُ‏
أيقظتِ الخلايا كي تقولَ له: أحبكَ‏
كنتِ أطقلتِ الشموع على شتاء الروحِ‏
كي يبكي الشجرْ..‏
* * *‏
وحدي.. على باب المساء ألوبُ‏
تغريني النجوم، فلا أمدُّ لها حبال القلبِ‏
أسقط في مدارات النحاسِ‏
يُضيئني صوتي وعُريكِ‏
يا لعُريكِ‏
حين يتركني أنام على حجرْ..‏
* * *‏
تركوا على ظلّ السياج الفلَّ‏
من يسقي تراب المتعبينْ؟‏
صلبوكِ بين دمي وبين دمي.. لنُقتلَ‏
فابتكرنا من خلال القتل- وجه الياسمينْ‏
تركوا مواجعهم على شوك السريرِ‏
وأنزلوا عن ضحكة الأطفالِ أشرعةَ القمرْ..‏
لكنني ما زلتُ أحلمُ‏
أن أرى أمي تعود مع المساءِ‏
تسوق قطعان الحنينْ..‏
وأبي يُقبّلها‏
يفلُّ جدائل النعناعِ‏
يرقص في عيونهما السهرْ..‏
ما زلتُ أحلمُ‏
أن يعود الناس من أحلامهمْ‏
أن يزرعوا تحت الشبابيك الكئيبةِ.. ظلَّ بيتْ‏
وأنا وأنتِ نعذّبُ الطرقاتِ.. نُتعبها‏
ونسرق من إشارات المرور اللّونَ‏
كي يتحرر العشب الفقيرْ..‏
لا البرد يطفئنا‏
ولا نقرُ السنين على مصابيح القلوبْ‏
وغداً‏
سنعبر في الخريف فراشتينِ‏
نعيد للأيدي نضارتها، وللخدّ القُبَلْ..‏
وغداً‏
سنحيا.. كي نكون كما أردنا‏
لا يتوب العمر عن غدنا‏
ولا غدنا يتوبْ..‏