برهان الاستقامة - أبو مسلم البهلاني العماني

علمت ربي ولا عين ولا أثر
ولا ظروف ولا شرط ولا صور

ما فات علمك موجود ولا عدم
جار بعلمك ما تأتي وما تذر

وليس علمك موقوفا على حدث
ما كان أو لم يكن يجري به قدر

والاستحالة والامكان حكمها
وفق المشيئة أن شئت مقتصر

قدرت شيئا محالا ثم تجهله
سبحان سبحان حق القدر ما قدروا

ما للطبيعة تنزو فوق مركزها
ومالها في الذي تنزو له اثر

أليس نفس الهيولي لا يحركها
إلا المعلل والمعول مقتسر

والحد والرسم والأشكال والصور
والحل والعقد والإبرام والغير

والكل والجزء مما كان ممتنعا
وغير ممتنع في اللوح مستطر

وكل ما كان موجودا ومنعدما
فمن إرادته لا شك مؤتمر

أيجهل الله أمرا نحن نعلمه إن ليس تحصره من جنسه صور

من أمره اللم يكن واللا يكون وكن
فكيف يجهل ما يستحصل البشر

من ذا أفاض علينا ما نحصله
من العلوم وما تستدرك الفكر

هب القوى أدركت فالمدركات لها
قيودها العلم والإدراك والنظر

ومن أمد القوى حتى يحصل في
من كان هيأها حتى بدا الأثر

وهل معارفنا إلا مواهبه والك
سب في ضغطه التكوين منحصر

أنحن نعلم بالتعقيل منعدما
وخالق العقل عنه الأمر مستتر

إن شاء شيئا فذاك الشيء يعلمه
أو لم يشأ انطوى عن علمه الخبر

من أوجد الشيء من لا شيء يجهله
كيف استقام له الإيجاد والأثر

والجهل بالصنع عجز لا تقوم به
على كمالاتها الأكوان والفطر

إن كان يجهل شيئا قبل موقعه
فإنه قبل ذاك الشيء مفتقر

ما الشأن في الذات قبل الخلق في أزل
قد عزها العلم لا سمع ولا بصر

استغفر الله هذا الكون علة عل
م الله أم كيف هذا العلم يعتبر

قد قف شعري من خطب خذيت له
تكاد منه السما والأرض تنفطر

آها على فلتة جاء البصير بها
قد خاصمته عليها الآي والسور

أقول للعقل والبرهان في يده
هلا حكمت وأنت الفيصل الذمر

سلبته صفة ذاتية وجبت
لذاته حيث لا كون ولا فطر

فحين أوجدها صنعا أضفت له
علما يساوق ما يجري به القدر

هلا حكمت بأن الذات عالمة
بنفي اضدادها من قبل ان ذكروا

هلا حكمت بان الذات فاعلة
بالاختيار لما تأتي وما تذر

لو لم يكن علمه بالشيء يسبقه
لكان بالطبع أو بالجبر يقتدر

لو كان يختار أمرا ليس يعلمه ان
حل الوجود لما تأتي به الخير

يدبر الأمر مطويا على غرر
ان كان يغرب عن ادراكه الغرر

ما كان أغناه عن تدبير صنعته
إن كان يجهل قبل الصنع مالخبر

سبحان ربي تقديسا لعزته
في علمه النفي والإثبات منحصر

بالذات للذات معلوماته انكشفت
ما ثم واسطة في الذات تعتبر

وكونه النفي والإثبات حكمته
يقضي بإدراكه المنفي لو نظروا

أأوجبت علمه آثار قدرته
فيلزم الجهل لو لم يظهر الأثر

لو كان ذاك لمست ذاته علل
إذ الصفات إلى الأحداث تفتقر

أو يلزم الدور فيها أو مرادفه
أو ليس يعلم إلا حين يقتدر

هب أنه لم يشأ شيئا فاعدمه
أكان ما شاء نفياً عنه يستتر

أم كان ما لم يشأه الحق منفعل
الذاته قادر في نفسه قدر

أو كون ما كان معدوما تقدمه
أم صده جل عنه العجز والخور

ما للعقول على أقوى بساطتها
ضلت فلم تفنها الآيات والنذر

تحكمت في صفات الله جاعلة
حقيقة الذات للعلات تأتمر

قضية أثمرت تعطيل منشئها
ليت القضية ما كانت ولا الثمر

ليت التنور بالإسلام ينبذها
إلى الذين برسل الله قد كفروا

كم في القرآن "ولو شئنا" تدل على
إن الذي لم يشأ في العلم منحصر

لو شاء اذهاب ما أوحي لأذهبه
أو شاء جمعهم بالحق لا بتدروا

أكان يجهل ما لو شاء أوجده
قبل الوجود وعنه تنبئ السور

لو كان ما يلزم المشروط يجهله
فعن حقيقة ماذا يصدق الخبر

ماذا دهى الزيغ من خطب الكليم لو
إن العقول إلى الأنصاف تبتدر

انظر فسوف تراني كيف أبرزها ال
علم الحقيقي إن لم يخطئ النظر

ترى التعلق بالحال التي فرضت
على المحال بصدق الحال تعتبر

أكان يجهل دك الطور وهو على
مرساه لم ينتقض من بينه حجر

أم لم يحط قبل تكليم الكليم له
ان ليس يدركه عقل ولا بصر

المستحيل ومتروك الإرادة وال
مخصوص بالفعل مما رجح القدر

معلومة حسب ما هيأتها وعلى
ما اختارها ما لها في نفسها خير

وعلمه ذاته والذات سابقة
والما سوى مطلقا للعلم محتظر

هذا هو الحق لا أبغي به بدلا
بأي حال ولو عادتني العصر

أني لأنصر ذا حق يقوم به
والمؤمن الحق للإيمان ينتصر