يتميمة الدهر - خواطر - سيف الرحبي

قافلة تسير في ليل دامس. من غير حداء ولا دليل ولا كلاب تنبح: جنازةُ الليل الكبرى تمخر عُبابَ الزمن.
ٍ ٍ ٍ
في وقت من أوقات الغروب، ينفجر فيه قلبُ النيازك مشعلةً حرائق في السماء، تصفيةً لحساب قديم، جراحا لا تشفى.
ٍ ٍ ٍ
عند مجرى مسيلٍ قديم، شاهد لأول مرة عينين تنطفئان في الظلام. كان ذلك أول إشارة موت في جبل الوقائع والإشارات الذي غصت به حياته اللاحقة.
ٍ ٍ ٍ
يقرأ المسافر في خطواته وهي تقدح المسافة أحداثَ الأرض والسماء، خارطةَ أفلاك ومتاهات.
ٍ ٍ ٍ
كل هذه الهشاشة. كل هذه الخديعة والارتباك لجمالكِ الكلي.
ٍ ٍ ٍ
ذلك الغضبُ الذي ينتابنا في أوقات فراغ ما؛ تلك القوة الهادرة في الأعماق. ما يشبه انتقاما لا واعيا من مبدأ الكينونة نفسه. ربما هو الذي أشعلَ حروبَ العالم.
ٍ ٍ ٍ
جنرالاتٌ يرضعون الليلَ والفراغَ بمصّاصات أطفال هرِمين، مستلقين على أسرّتهم المعدنية في المنازل المهجورة التي تعج بالعظايا والرفات. لقد أنهكتهم الحروبُ والدسائس من غير أن يعيشوا الحياةَ لحظة واحدة.
ٍ ٍ ٍ
ليست الشكوى ولا غيرها ما يجدي أمام المُلمّات. لأن من تفضي إليه إما ان يشمتَ فيك. واما انه لا يصغي إليك وان تظاهر بذلك فهو في وادٍ آخر. وإما أن يعتبر نفسه وقع ضحية ثرثرة مزعجة بالإمكان تفاديها.
الصمت ربما، أو الركض على حافة منحدراتٍ صخريّة من غير الالتفات إلى الوراء، وأمامك المحيط.
ٍ ٍ ٍ
جاء إلى المقهى وهو يغالب ضحكةً تنفلت بين الحين والآخر، ليلتقي أصدقاءه، فهرعت إليه الأشباح كسحرةٍ يطيرون في الهواء.
ٍ ٍ ٍ
تلك المرأة التي كان الجمال غريزةُ حياتها الكبرى. تتغذى من مراعيه كما يتغذى النحل من الأزهار. منعّمة حتى في الشقاء: هبة السماء لمتسكعٍ لا يحلم بشيء.
ٍ ٍ ٍ
لم يكن ويلفرد ثيسجر وهو يعبر الربع الخالي في ذلك الزمان، يبحث عن وجاهة ومجد. وأي شيء من ذلك في تلك الخارطة المترامية من العَدَم والوحشة؟ كان يمتحن ذاته، يضعها على المحك وهو يقذف بها إلى أخطر صَقْع للقسوة أنجبته الطبيعة في ولادتها القيصرية العسيرة عبر التا
ٍ ٍ ٍ
ماذا تنتظر هذا الصباح
في هذه القرية النائية
تحلق ذقنك وتخرج إلى الغابة والحقول
نظيفا مضّمخًا بالاحلام
ترقب البط السابح في الهواء
والعقاعق، تقفر من شجرة إلى أخرى
تحت مظلة من السناجب..
وأمام حقل الذرة الغزير
(بحر اخضرار وعزلة)
المتمايل بفعل ريح خفيفة،
تنام الأبقار والماعز في هدوء صيفي.
كل هذه المياه، ومازالت تمطر
كل هذه الفيضانات وما زالت ترعد.
أي قسمة اختارتها الآلهة بين الهنا والهناك
حيث اليباب والقحط
وحين ينـزل المطر على الديار
تنشقّ الارضُ عن لَهبِ بركان
مصعوقةً، مرتبكةً، ظامئة.
أي حكمة لا نعرفها؟
تعرف انه سؤال ساذج
مثل سذاجاتٍ أخرى نحبها.
لكن ما تعرفه جيداً
ان صحراءك ممتدة عبر جبال الكون بأجمعه.
ملِكة أولى
مستبدّة وعاتية.
ٍ ٍ ٍ
الساعة الثانية عشرة ليلاً
موعد نومكِ
أستطيع أن أراك عبر ضوء النافذة الشفيف
تتهاوين على السرير
من فرطِ التعب والصداع بيوم صاخبٍ في مدينةٍ كبيرة
وفي الضوء نفسه تخلعين الأساور والأنهار
مزدانةً بشحوبكِ والليل.
ٍ ٍ ٍ
الحصان الذي هو من سلالة غريبة من الأحصنة، والكباش. التيس بقرونه الكبيرة يذكرني بوعول جبل الكور. وكذلك الدببة الشرسة في الصحاري القطبية، تأكل العشب الطّري، تلتهمه بشهية، من غير أن تخدشَ كبرياء الأرض. ولا تستبيح أسرارها بانتصارات كاذبة.
ٍ ٍ ٍ
لا أتذكر صديقا
إلا ويسبقني إليه تاريخ الخيانة
لا أتذكر عدواً
إلا وأرى فيه مستقبلَ البشر
كل عاصفة تقتلعُ جذورها في النهاية.
ٍ ٍ ٍ
دوامةٌ من الأعاصيرِ هي حياتك
وأنت فيها غريق ضاحك.
ٍ ٍ ٍ
لماذا لا ترى في الحقول الممتدة إلا ألَمَك
في الأرض الشاسعة إلا الخيبة مشرقةً وضّاءة تتنظر أمام كل منعطف.
ألهذا الحد بلغ بك القرف دون سواه؟ ألهذا تهت في الأرض التي (ضاقت بما رحبت) دليلاً أعمى حيث تتجمع السُحب كأجرامٍ ميتة.
ٍ ٍ ٍ
يتماثلون للشفاء
أولئك الذين طالت بهم سكّة الرحيل
ٍ ٍ ٍ
لوسي: تنادي كلبها الغاطَس في مستنقع الدغل
صماء لا تسمع أصوات العالم.
يا لها من سعادة.
ٍ ٍ ٍ
الهائمون أفواجا على درّاجاتهم
التي توارثوها عن أسلافهم
كما تتوارث شعوبٌ أخرى
الجمالَ والحمير.
في مساء القرية القاتم
يتهامسون بأحاديث سحيقةً
طواها النسيان.
لقد أدركتهم الشيخوخةُ وسطَ سماءٍ من العشب.
ٍ ٍ ٍ
غونتر غراس. انجبَ بطلَه أوسكار القزم الذي يرفض ان يكبر، وسطَ هالة من الذعر والخوف والحيرة قل نظيرها في تاريخ الادب. طريد الجندرمة الذي اختفى وسط أمواج ملابس المرأة الريفية وهي تحرث حقلَ البطاطا زارعا بذرته في رحمها الرجراج، ويرحلان إلى حياة هادئة حتى يعاو
لحظة تكوين تليق بطفل يولد في هذا القرن وربما في كل الأزمنة.
للأدب قوة الحياة أحياناً.
ٍ ٍ ٍ
لم أكن قبيحةً ولا جميلة. لا خيّرة ولا شرّيرة
وليست لي علاقة بنَسَبِ المقاييس
كنتُ يتيمة الدهر؟ صرخة بحار تائه.
لذلك لم أرَ الأشياء والعالمَ
إلا بعيون جوارحي وحدها.
ٍ ٍ ٍ
كلاب تنبح طوال الليل
شاحنات تعوي. ولا شيءَ آخر
هواجس وذكريات
ذئاب تحتضر في صخب المدينة.
ٍ ٍ ٍ
الشاحنات جاءت من بلاد مجاورة
على متنها البضائعُ الثقيلة، والليل المحمول
على أكتافِ جنودٍ هلكوا في الحرب.
ٍ ٍ ٍ
في هذه اللحظة
الشمس تغطس في المغيب. صفرة حالكة. لا شك ستضيء أقواما أخرى تموت من البرد
ليل ألماني قصير
شمس رحيمة بالكاد تبزغ من بين أفيال الغيوم
التي تتهادى بجحافلها في الأفق
ٍ ٍ ٍ
ضيف الضيوف: هكذا نعت نيتشه بطله وهو يرحل في أرجاء البسيطة مبشّرا بمقدم إنسان جديد.
في أي عصر سالف أو قادم سيأتي وفي أي ارض'؟ قفزة الفيلسوف في أرض انتحارات المجهولة.
ٍ ٍ ٍ
التيس بلحيته الطويلة وقرونه الأطول والذي يشبه وعولَ جبل الكور وجبالٍ أخرى في عُمان.
ارقبه هذا الصباح (الجمعة) منفصلا كعادته عن القطيع في المرعى المكتظّ بالنباتات والأعشاب التي توشك أن تكون خمائلَ وأَجَمَات. يرعى بطمأنينة، يحك رأسه أحيانا من ذبابة خضراء تطن. يرمق القطيع بمؤخرة عينه كأنما ينـزو أو حلما راوده البارحة حول نعجة في القطيع. الح
ديك يسقع وسط دجاجات مُترَفة.
انها الظهيرة. ظهيرةُ العتمة.
ٍ ٍ ٍ
التليفون الذي سقط من جيبي فتناثرت أحشاؤه كقتيل في غابة.
ٍ ٍ ٍ
القتلى يسدون الطريق صراخا واحتجاجا
يملأون الفضاءَ بالنحيب
من تحت مخدتي اسمع ضجيج القادمين من الأفق
بحارة وقراصنة. رعاة إبلٍ ومتسكعين شعراء. وقتلى في حروب عبثية.
ٍ ٍ ٍ
مليئين بالعرق الرديء والحمّى
ناموا على أسلحتهم الصدئة
بينما البرابرةُ يستبيحون البلدة.
ٍ ٍ ٍ
كان يزهو بخُيلاء فتوحاته حين سقط في مستنقع الفضلاتِ غاطساً من غير اثر.
ٍ ٍ ٍ
لو اجتمع المفكّرون العرب ذات مرة على ارض متاخمة لهرب العدو من فوره. ليس خوفا بالطبع.
وانما راحة من ضجيجهم وإستيهاماتهم و... ليبحث عن ارض اخرى.
ٍ ٍ ٍ
العلْبة التي رميتُها البارحةَ على حافة الساقية، مشعّة في ضوء البروق بعزلتها الصباحية، تدافع عن حقها في الوجود ضد القدم الساحقة.
ٍ ٍ ٍ
كل صباح أصل إلى حدود ذلك القصر المهجور. أقف أمامه، صامتاً مهيباً تعْوي فيه الريح. ويبدو من فرط حضوره وهيمنته على بقية أجزاء المنطقة كالثقب الأسود وهو يجتذب المجرّات الهائمة في مجاله المغناطيسي. تخيلته أحد قصور دراكولا وربما هنا صوّر المخرج الألماني هرتزوغ
ٍ ٍ ٍ
كل تلك الأوقات التي صرفناها بالتفكير في الموت. كل تلك الارتجافات والهواجس، وهو لم ينفق لحظةً في التفكير فينا. وحين يأتي بصواعقه المباغتة. ليس ثمة مجال للتفكير. ليس ثمة كائن اصلاً.
أي نبع لا يطاله الجفاف مقذوف في عرينك أيها الفناء؟
ٍ ٍ ٍ
اليوم أعدت قراءة محور كومبروفيتش في مجلة (نزوى) أديب ضد الأدب. ضد نفسه. ضد كومبروفيتش. يحلم بقتله بمحوه كيلا تهيمن الصورة على الأصل الذي كانه. كيلا يصبح عبدا لكومبروفيتش. حيث الأدب متشربا ماء الحياة حتى أقاصيه. متدفقا عنيفا متمايزا مثل مذنّب يجر ذيلَه الب
ترى أليست رواية (الإرهابي) نوعا من سيرة لهذا الكاتب وبقليل من الاستقصاء. تلك الرواية التي ترجمها سعدي يوسف على نحو رائع؟
ألا يمكن ان يكون الإرهابي القاتل هو الرغبة التي تنبثق من بين أضلاع كومبروفيتش لقتل صورته. لعبة مرايا الذات في تشظيها وازدواجها بين الاصل والصورة. الفن والحياة؟
كوميروفيتش. درس للأدباء المتبجحين بفخامتهم الأدبية.
ٍ ٍ ٍ
للغربان نواح الثكلى وهي تعكف على بيوضها، مهمهمةً بالمأساة. كل الولادات يختزلها نواحُ غراب.
ٍ ٍ ٍ
أين ضوء النجوم الذي كان غائرا في العيون. أين تلك القرى النجميّة في مساءاتنا البعيدة؟
ٍ ٍ ٍ
يعود الراحلون إلى ديارهم الاولى، لتعميق خرائب الروح والزوغان في المنازل المهجورة التي تخلع مفاصلَها الريح.
ٍ ٍ ٍ
لوسي: كلب المرأة الصماء الجميلة، اشتبك مع كلب آخر. دارت معركة حامية الوطيس، لكن من غير دم ولا جراح. تقلباتٌ على العشب وغمغمات ونباح كأنما الصراع في جوهره كان صراعا جماليا للمتعة وليس شيئا آخر.
ٍ ٍ ٍ
في نزهة المساء التقي بالشاعر الأيسلندي على دراجته يجوب الحقول. قبل أيام سألني هل نجيب محفوظ تركي؟ اليوم يسألني عن أشياء أخرى وعن ماذا أعمل. قلت له ربما أكتب نصا جديدا أو انعم بالطقس ومراقبة الحيوانات وهذا يكفي. حدثني عن أيسلندا الصغيرة والطقس الذي هو نقيض
ٍ ٍ ٍ
السماء محتقنة كمخاض. رذاذ ناعم على الرأس.
قبعة رجل عجوز تسقط في بركة آسنة. طيور سوداء كثيفة تحلّق على انخفاضٍ لتحطّ على قصر الكونت دراكولا مضيفةً لمسة غموض على وحشته. هيتشكوك يقترب بكاميراته الخبيئة بين الأشجار ليصور فيلمه (الطيور) هرتروغ أنجز فيلمه ورحل.
ٍ ٍ ٍ
أغرب الكلاب قاطبةً، كلب جارتي النحاتة الاسكتلندية، فهو يقضي وقته في النباح مثلما تقضيه هي في نحت الأشكال والأجساد، في نحت مخلوقاتها الخاصة، فكأنما نباحه دعم معنوي لها في رحلتها اليومية. هو يتسلى بنباحه كنداء للمجهول وهي بإزميل الخلق الإبداعي ومغامرته في ا
ٍ ٍ ٍ
العالم موحش كأنما يجترّ حطامَ ليلته الأخيرة في قلبي: دمشق قبل عشرين عاماً.
ٍ ٍ ٍ
هذا الشيء جميل لولا.. هذه المرأة جميلة لولا.. هذا البلد.. لولا.. هذه القارة. هذا الطقس - هذا الكاتب. هذا الحاكم. هذه الأرض. هذه الحياة. هذا الموت - هذه الجنة.. هذه اللولا الباسطة جناحَها ونفوذَها بهذا القدر الأخطبوطي، من الأزل إلى الأبد وما بينهما من نقصا
ٍ ٍ ٍ
ليس كالبكاء مطهراً لأحزان مدلهمة. مع الأسف لا نستطيع البكاء بسفح الدموع التي تندفع نحو الداخل حافرةً أخاديدها التي لا تبرأ.
المرأة تستخدم الدموع بمهمة مزدوجة: للتطهير وإخضاع الرجل وافراغ غضبه وسطوته.
ٍ ٍ ٍ
في كل بلد عشتُ فيه أو رحلتُ إليه، لا أجد أي اندفاع عندي تجاه قاطنيه الأصليين ومواطنيه، وانما وبشكل تلقائي نحو مغتربيه ووافديه. شجرة الاغتراب الراسخة التي رضعنا حليبها باكراً.
ٍ ٍ ٍ
الجنة بدون ناس ما تنداس (مثل خليجي) بالعكس ستكون اكثر جمالاً ونضارةً وسحراً.
ٍ ٍ ٍ
نكأَتْ جرحا سحيقاً، وإذا بالماضي يتدفّق ماثلا رهيبا يحتل المشاعر والمكان بأكمله. نقطة الخطر. مثلّث برمودا الجحيم رابضاً في الأعماق.
ٍ ٍ ٍ
الحقيقة البشرية عارية في لَهبِ المغيب.
ٍ ٍ ٍ
تلك الشعوب التي أدمنت الذلّ والعبودية حتى اصبحا جزءا من طبيعتها النفسية والعضوية. أي فلسفة تسعف في تحليل ما جرى؟ نمط الإنتاج الآسيوي. طغيان الشرق. سيكولوجية الجماهير والسلطة.. الخ.
ٍ ٍ ٍ
لم يشعر بأزمة منتصف العمر ولا غيرها أمام أزمة وجودٍ بأكمله. مربط الأزمات وبيت قصيدها.
ٍ ٍ ٍ
دفعتني رداءة المطاعم للذهاب إلي السوبرماركت وجلب ما يلزم من مؤونة للطبخ، الذي هو طبخ تجريبي على غير نمط سابق، عدا الطبخة التي علمتني اياها كلود رحمة ذات مرة وهي مرقة الدجاج بماء الطماطم.
الاعمال اليدوية تطلق سراحَ الخيالِ أحيانا.
ٍ ٍ ٍ
نعتاد على شيء لا نلبث ان يهجرنا أو نهجره إلى آخر. ربما هذا القلق بجانب اعبائه وعذاباته، نوع من حصانة ضد العبودية.
ٍ ٍ ٍ
اتصلَ صديق وزوجته من الكتاب، قالا، إن شروط اللجوء وآلامه افضل مع التفكير بعقل حر.
ٍ ٍ ٍ
لو كانت أوروبا تقبل كل من تقدم اليها من العالم الثالث لأُفرغتْ قاراتٌ عن بكرة أبيها.
ٍ ٍ ٍ
اتصلت بفاضل. اتفقنا أن نذهب إلى هولندا القريبة، فالقرية اقرب للمدن الهولندية منها إلى معظم المدن الألمانية. تحدثنا عن روايته الجديدة وبأنها افضل أعماله (الأسلاف) وبالفعل ثمة توسيع وتعميق لطرائق السرد والمناخات التي كانت تضطرب في جنبات سابقتها (آخر الملائك
ٍ ٍ ٍ
ألتقي بالشاعر الأيسلندي يجري تحت المطر معتمرا قبعة، تبادلنا تحية عابرين، اجراس الكنيسة المجاورة تقرع على ايقاعات الاناشيد والخشوع الروحي. المكان فارغ اكثر مما كان. تذكرت كاتدرائية كولون التي دخلتها قبل أيام. تلك الآية المعمارية الفريدة، ضاجة بالطقوس والبش
ٍ ٍ ٍ
اتصلَ عبد الملك وأحمد قالا إنهما سيأتيان لزيارتي لو ضبطا مكان القرية في خضم الخريطة الألمانية.
ٍ ٍ ٍ
طافت به تهاويم حب قديم. طفولة عتيقة. قال. إلى الجحيم كل ذلك الحُطام الذي عذبني.
ٍ ٍ ٍ
يلتقي الغرباء صدفةً في الحدائق العامة، ليقرأ كل واحد حيرتَه العريقة في وجه الآخر من غير سلام ولا كلام.
ٍ ٍ ٍ
الحصانُ الأشهبُ الفارع يعدو سابحاً في ضبابِ الحقول.
ٍ ٍ ٍ
طائر يصدح على نافذتي كل يوم، يمنحنى لحنه النهاريّ هديةً من حبيب بعيد.
ٍ ٍ ٍ
براءة المعرفة اكبر قوةً نواجه بها توحش الاشياء والثكنات وثقيلي الدم.
ٍ ٍ ٍ
ليس الندم إلا من شيم النفوس التي طوّحت بها الأحاسيسُ العميقةُ بعيدا عن دوائر القطيع وتواطآته.
ٍ ٍ ٍ
ليس للموت حسابات مسبقة، حسابه الوحيد حصد الأرواح من غير عدّ ولا حساب.
ٍ ٍ ٍ
الشاعر الذي همه الوحيد استقطاب الجماهير بالصالح والطالح من غير اعتبار جمالي واخلاقي وانساني، هو اقرب إلى السماسرة والمهرجين منه إلى عالم الشعر الحق.
ٍ ٍ ٍ
دعك مما يقوله الآخرون. أي سر سيبوح به هذا المساء. أي قصفٍ ستتبادله مع هوام الليل وثيران البحار.
ٍ ٍ ٍ
يغرز يده في عشب امرأة حتى يصلَ إلى قاع الأبدية.
ٍ ٍ ٍ
شاعر ذلك الذي يتحرج مع عبارته إلى أعماق هاوية لا قرار لها.
ٍ ٍ ٍ
كان وقورا وصالحا في قومه. صاحب أطيان، مستقيما أيما استقامة في كل ذرات حياته وجزئياتها. مات رحمه الله قبل يومين بذبحة صدرية. ترك إرثا لا يستهان به. ستتقاسم استقامته من غير اعوجاج أجيالٌ لاحقة. رثاه شعراء بقصائد طنانة ذرفوا الدمع دماً كنائحات بالأجرة.
ٍ ٍ ٍ
هذه الرحلة من بين رحلاتي الضاربة في شتى الامكنة، حملت خصائصَ طريفة من بداية انطلاقتها. فبعد توقف دام 8 ساعات في امستردام وصلت بعد منتصف الليل، فاذا بالحقيبة لم تأت ظللت في امستردام وبقيتُ في انتظار مجيئها الذي تحقق بعد يومين . بعد عودتي نحو المطار مرة اخر
عانقني كصديق قديم. أحسست بمتعة من اجتاز نفقا من الكوابيس والأشلاء.
ٍ ٍ ٍ
أصحو من نومي. افتح النافذة، السماء تمطر بشدة، نحن الآن في منتصف الشهر السابع والطقس يشبه كثيراً طقس الشتاء. سكون وهدوء مطبقان. تتصل المرأة العريقة في الذاكرة تقول ان سعد الدين ابراهيم اعتقل بتهمة التجسس لامريكا.
وقالت من الضروري ان نلتقي في بحر هذا الصيف. بعد ان أغلقت سماعة التليفون احسست بشوق فعلي اليها.
تتصل صوفي تشتمني على انقطاعي. البارحة رأيتنا معا على متن باخرة سائحين في ربوع العالم من غير هدف.
اشرب الشاي ألبس ملابسي وامضي تحت وابل من المطر. تذكرت بطل هيمنجواي في (وداعا أيها السلاح) بعد موت حبيبته يخرج متنـزهاً تحت الأمطار الغزيرة يشاهد تفتحات الطبيعة وولاداتها. أمضى صوب إدارة القرية حيث (أنيتا نويمان) المسؤولة الإدارية لشؤون ضيوف القرية. امرأة
تطفح بانوثة واضحة. كنت قبل أيام سألتها إن كانت من القرية نفسها، أجابت بأنها من قرية أخرى صغيرة جدا لا يتجاوز عدد سكانها المئات. تخيلت إنني ذاهب معها إلى تلك القرية نتجول في حقول طفولتها المعرّشة بالكروم والنباتات المختلفة. وحيدة مليئة بالعزلة والبحث اللا
اخرج إلى الغابة التي كانت خالية لكنها ليست موحشة فثمة ما نأنس به في الطبيعة اكثر من بني جنسنا أحيانا. أقول أحيانا لأن واحدا مثلي لا يدعي امتلاك تلك الطاقات الروحية التي تملكها قلة من بني البشر. وهي قلة محظوظة في امتلاك الإرادة الحرة الجبارة في التحرر من ا
ٍ ٍ ٍ
الدجاج مع الطماطم والبصل والثوم يغلي في القِدر. هل عليّ أن أفكر في حياته وموته. وكيف دارت عيناه في نظرة أخيرة تحت سكين الجزار أو في مفرمة عملاقة.
ٍ ٍ ٍ
طيف أمي متعَبة، شحيحة البصر، لا تمشي إلا مستندة على ولد أو حفيد، دائما يقربني من نهاية العالم. أتذكر أول وداع ودّعتني من بيتنا القديم في مطرح، ملوّحة بيدها النحيلة والدموع تنهمر ساطعة في ظهيرة ذلك اليوم، مؤكدةً عليّ الرجوع السريع وعدم الغياب، الذي اتخذ لا
من اين لي ان أفي بذلك الدَيْن الذي صار يثقل حياتي بمشاعرَ باهظة؟
ٍ ٍ ٍ
هذا القبسُ الذي يعبُر السماء رسالةٌ من نوركِ الأزلي.
ٍ ٍ ٍ
الكتابة كالحب توسع شرنقةَ المكان. تغوص فيه لتستخرج أبعادَه الخفية وتبتكر أبعادا أخرى اكثر جمالا. تحوّل القبر إلى فضاء فسيح والحصارَ إلى جنة موعودة. هكذا بقدرة سحرية لا يعود الكائن هو الكائن ولا المكان هو المكان. كم من العلاقات في تاريخ البشر تلاشت إلا تلك
ٍ ٍ ٍ
مطر ورياح وفيالق سحب تغري الشياطين بالسباحة في الافق.
ٍ ٍ ٍ
ذئب يجفل من ظله في الظلام القاتم.
ٍ ٍ ٍ
لا عزاء لأولئك الذين رأوا ذات مرة، ذات دهرٍ، بمنامهم ويقظتهم وبأقصى أعماق وجودهم، ما آلت وتؤول إليه أحوال العالم والبشر؛ حتى لو سَخَت عليهم الحياةُ وهي غير سخية لامثالهم.
ٍ ٍ ٍ
غالبا ما يكون الحلم عن الأوغاد، حجرُ عثرةٍ أمام الحياة.
ٍ ٍ ٍ
ذلك القاتل المختبئ بين الأشجار، وريث القساة السطحيين.
ٍ ٍ ٍ
كم من الهناء ينعمُ به تيس جبل الكور وهو يغمض عينيه ويفتحهما بعد جلاء السحُب.
ٍ ٍ ٍ
اليوم دخلت غابةً جديدة يتصدرها تمثال للعذراء وهي تحتضن سيدنا عيسى المسيح، طفلاً. تقدمتُ خطوات بين الأشجار بمزيج مشاعرَ متناقضة. أحسست بخوف وجلال غامضين. استحضرت الغابة السوداء. مهبط أفكار الفلاسفة الألمان؛ ولكن ليست هي بالتأكيد، فتلك تقع في منطقة أخرى واك
لقد رحل الفلاسفة باجسادهم وبقيت الغابة والافكار والاحلام في اخاءٍ عميق، محتفظةً بما خفيَ من السر.
ٍ ٍ ٍ
غالبا ما تخفق الامم الكبيرة في تاريخها وتصاب بالهزائم والنكبات. لكن روحها الحية تبقى عصية تسري في دم السلالات، موقد قيمٍ لا تطفئه الايام. هل نستطيع توسل الكلام نفسه عن أمة العرب الآن؟
ٍ ٍ ٍ
يعود الرعيان وكذلك الصناع وأرباب الحرف والكتبة وأصناف البشر الأخرى، في مساءات المدن والقرى، إلى منازلهم ينعمون بالسكينة ويمارسون حياة بهيجة حالمين بيوم آخر مفعم بالحبور؛ وحده الملتاث بغربةٍ لا نهاية لتخومها يجلس في ركن شبه معتم يكتب مذكرات يأسه عن قرن قاد
ٍ ٍ ٍ
ما دمت مريضا وانجز الجميع مهمتهم بمثل هذه الضراوة. فلماذا اشفى؟ الكي اسقط في حفرة مرض آخر؟
ٍ ٍ ٍ
ليل بعده نهار ونهار بعده ليل. فصول متعاقبة في دورتها الفلكية. نجوم في السماء وبشر وحيوانات على الارض ، موت في حياة وحياة في موت بصحراء لامتناهية. أليس من تصحيح ممكن
لسقطة الوجود الأولى؟
ٍ ٍ ٍ
عبد الرحمن منيف. في كل رواية يسوّد آلاف الصفحات حتى امتلأت الرفوف بملحمة التحولات التراجيدية لزمن عربي يوغل في انحداره. حكاية واحدة بتجليات أمكنة مختلفة تقول التاريخ والحاضر في انكسارهما المتواصل بزمن لم يعد أحد يقرأ فيه حتى كتب الطبخ والموضة، بعد ان اغلق
ٍ ٍ ٍ
استيقظ من نوم ليس خاليا من الارق والاحلام وان كان أخف وطأةً من ليال اخرى فكأنما ولدتُ من سلالة احلامها وكوابيسها اكثر وقائعها تَعيّناً أو ان الزمن مناصفة بين الاثنين.
أتذكر لقطة من حلم البارحة. رأيتني اصعد سلما بغية الوصول إلى سطح أو قمة ما. لكن حين اصل قريبا من السطح يصيبني عجز مفاجئ فلا استطيع الاستمرار. افكر في نومي ان اقوي عضلاتي وأهتم بصحتي. اصعد مرة اخرى فيصيبني الضجر في منتصفه واقفل راجعا. يبدو واضحا ان هذا الحل
اخرج إلى الشارع العام الوحيد في القرية باحثا عن مقهى. مسحت الشارع كاملا وسألت من غير جدوى. افترسني احباط. اخذت اجري تحت عصف المطر. شاهدت عجوزا تصرخ. لان كلبها احتجز نفسه في فترينة محل تجاري رأيته من وراء الزجاج يوهوه كأنما يختنق. اتصلت ليلى راسمة لي خارطة
كم من أوقات الافلاس ألمت بنا بحيث نظل نحوم كالمنبوذين متلهفين للدخول؟ ذات صباح وبمحض الصدفة التقينا، كاظم وصمويل واحمد أمام مقهى بعينه معروف في المدينة، تحت المطر الكاسر ونحن لا نملك قرشا للدخول منتظرين الفرج من أي صديق ينقذنا لوقت آخر.
ذات مرة كنا في ذروة الافلاس ايضا وكان يوم أحد، ولم نعدم الحيلة حين وجدنا ثلاث زجاجات من العطر جاءتني هدية في ذلك الصيف. ذهب صمويل لبيعها بابخس الاثمان لصاحب حان؟
في مسقط تعودتُ عدم الجلوس في المقاهي إلا نادرا. كنت اقضي سحابة يومي في فندق البستان الكبير. فهناك مقهاي وحديقتي وبحري. وهناك طيور الصفرد (الدراج) ذات الاصوات الجرسية المتكسرة كحزمة انغام يقذفها السيل من قمة احد الجبال المحيطة. وهناك الاسماك الصغيرة تقفز ج
ٍ ٍ ٍ
من يرأب الصدعَ العميقَ في ذلك الجدار الذي عششتْ فيه الأفاعي وفَقَست بيوضها السامة.
ٍ ٍ ٍ
بركان يتلوّى من فرط احتقانه كي يجهش بالبكاء.
ٍ ٍ ٍ
ربما تحرشتُ بالكونت دراكولا وهو الوادع في قصره بين نسائه الكثيرات، نساء دراكولا الفاتنات، يصغي إلى نحيب الذئاب ويقول (هؤلاء اطفال الليل يغنون)، فقد ارسل لي هذا الصباح اشارة غاضبة؛ عبر مسافة طويلة من قصره ينبلج كلب يزن ثلاثة ذئاب حجما وعنفا؛ كأنما انشقت عن
ٍ ٍ ٍ
اجلس على كرسي في الحقل المجاور للمنـزل اقرأ كتابا. يمر شاعر من المانيا الشرقية سابقا ورسام من هولندا سألته عن المسافة التي تفصلنا عن لاهاي. قال لا تتجاوز الساعتين. كان الشاعر الالماني اشقر بشكل لافت ذكرني بايام الكومسمول الآفلة، يبدو ان الالمان الشرقيين ا
ٍ ٍ ٍ
اتصلتُ بصوفي على أن تتصل بي لان نظام افراغ البطاقات الالمانية معقد ولم اعتد عليه. اتصلتْ بعد قليل. كنت في مقعد في الحقل المجاور الذي رميتُ على حافة ساقيته قبل أيام العلبة الفارغةَ والتي ما زالت تدافع عن وجوها ضد الطقس واقدام البشر خاصة الصبية - قالت صوفي
ٍ ٍ ٍ
اتصل محمد وطالب وآسيا وأشرف في يوم واحد. في آخر المكالمة سألوني ان كنت اريد رطبا، فالحر على اشدّه، قلت. الرطب للصامدين في المكان وأنا هذا العام انسحبت من جبهة الصمود. شكرتهم، اتصلت المرأة العريقة في الذاكرة. قالت انها تجلس بنفس المكان الذي جلسنا فيه ذات ي
ٍ ٍ ٍ
اخبرني فاضل ان ثمة الفي صندوق لمؤسسات خاصة وافراد لدعم الثقافة بالمانيا في مختلف انشطتها وتجلياتها. اما دعم الدولة فيصل إلى مئات الملايين. على سبيل المثال مسرح برشت يتلقى ما يعادل مبلغ ثلاثين مليون دولار سنويا كدعم خالص. لا أريد المقارنة مع الوضع العربي.
ٍ ٍ ٍ
أرنب يرعى في الحديقة وطائر يشبه البلبل يصدح بلحنه الفريد. تمر الفنانة التي هي من مدينة دوسلدورف الاكثر جمالا ورقة، تمر محييّةً. قبل فترة افتتحت معرضها التشكيلي. وجهها الاكثر حضورا في ذاكرتي بقي يحييني دائما عبر الغياب.
ٍ ٍ ٍ
حشرات الصيف تغرد، مرجئةً موتها لشتاء قادم.
ٍ ٍ ٍ
يجلس الغرباء في الزوايا كأنما يؤصلون عزلةً سحيقةً في النفس والمكان.
ٍ ٍ ٍ
صرخة الألم. صرخة الحرية. أيهما اسبق؟ هذا هو النموذج المدرسي لترَف المعرفة.
ٍ ٍ ٍ
روح اللامبالاة ببهوها الشاسع، هي التي أبقتنا أحياء وإلا فطسنا منذ زمن بعيد.
ٍ ٍ ٍ
كان لا يبالي بالإبادات والمظلومين من فرط ما نام مع الضحايا على سريرٍ واحد.
ٍ ٍ ٍ
كل شيء يتراجع ويختفي مع الأيام إلا حدث - جرح بعينه. يظل يؤجج نفسه باستمرار جذوة لا ينطفئ لهيبها، كأنه القدر الذي كان عليه أن يودي بحياتك مبكرا، ولان ذلك لم يحصل فيظل يلاحقك حتى النهاية.
ٍ ٍ ٍ
حشرة تزمجر في الأواني الفخارية المركوزة منذ زمن في ركن البيت القديم: كم من العصور تزمجر، هادرةً في أعماق المكان.
ٍ ٍ ٍ
اتصل عبدالله قال: قبل عودته إلى انجلترا، ذهب إلى مكتبة في بلده الرستاق ليأخذ العدد الجديد من مجلة «نزوى«، أجابه صاحبها انه منع توزيعها في مكتبته بعد أن وصل إلى سمعه عبر إشاعة رائجة أن كتابها من (العلمانيين).
ٍ ٍ ٍ
تتساقط الأيام مطرا ثقيلا على رأسك، مطرا أسودَ وأنت تحدق في نهر لا أول له ولا آخر، نهر المخيلة الذي يجرف الوقائع والأشياء والحيوانات إلى مثواها الأخير، صانعا منها عجينة الكائن الموغل في فنائه.
ٍ ٍ ٍ
ينهمر المطر على النهر انهماراً يقتبس من الشعر أَلَقه المكلّل باقواس قزح تقطرُ مطراً وصحواً كأنما الانوثة والشعر ينهمران على جسد النهر.
ٍ ٍ ٍ
انظر إلى طمي النهر بعد ان افرغت حمولتها، ديمةٌ قوية، تتحرك مياهه في كل الاتجاهات حتى يغيم مجراه الحقيقي في الدوامة الناضحة برائحة العشب والقعت التي هي رائحة الولادات المتجدّدة للمياه. متذكرا أودية عُمان في عصورها الجيولوجية السحيقة، حين كنا نسأل أمهاتنا ا
ٍ ٍ ٍ
يجرجر احشاءَه على رصيف الميناء، بعد ان حصده رصاص القَتَلَة المختلط بصفير السفن التي كان يلهث نحوها بغيةَ الهروب.
ٍ ٍ ٍ
لماذا يستفيد من دروس حياته؟ وأي مسار سيصحح بها، في ظل هذا التشوش والاختلاط. في ظل انهيار الجهات جميعها. حيث لا يتراءى للعين الا شبحُ الموت وحيداً مشرقا في ربوع الصحراء؟
ٍ ٍ ٍ
في هنيهة عابرة (غالبا في الصباح من غير سهرة قاصفة) يحتضن أيامه كنساء عاشقات.
ٍ ٍ ٍ
بين مقهى في شوبنغن وآخر قريبا من هيثرو، يتجمع سائقو الشاحنات وعمال القمامة بملابسهم الصارخة يحتسون المشروبات، منخرطين في أحاديث يغص بها الفضاء والطرقات كأنما يتنفّسون الحياة بعد عزلة ليلهم البهيم.
ٍ ٍ ٍ
بطيئة تمر السحابةُ، لكنها لا تشبه هريرةَ الأعشى وهي تمضي إلى بيت جارتها، ولا نئوم الضحى عند ابن أبي ربيعة؛ وانما تجر برسغها عرباتٍ ثقيلة، ناقلات سجّانين في ظلمةٍ قاسية.
ٍ ٍ ٍ
تنفجر الوردة في قلب المنظر العام للورود، معبّرةً عن قدرتها في التحول إلى غابة.
ٍ ٍ ٍ
يمكن للسعادة أن تقفز من غيمة إلى أخرى. ومن حيوان أو نهر إلى آخر، لكنها ترفض أن تحط على ارض البشر بعد أن نزل الزمن والتاريخ بثقليهما على أكتافهم وروابيهم.
ٍ ٍ ٍ
يمشى هائما في الطريق يصطاد العبارة تلو الأخرى كما تصطاد شباكُ الغيوم في منحدراتها الوميضَ الخاطف.
ٍ ٍ ٍ
هذه اليد الطالعة من نعمتها الخاصة، من اعماق البحر وعلى ضفتيه النوارس هائجة في موسم السفاد، تمد لي دائما تلويحة الرحمة.
ٍ ٍ ٍ
لم يعد التفكير في الحياة أو الموت هو المهم، وانما كيف نعبر هذا المضيق بأقل فداحة من المصائب والآلام.
ٍ ٍ ٍ
مزّق النمرُ فريستَه شلواً شلواً ونام يحلم بفريسة اخرى. دَفَن الحانوتيَ خامسَ جنازة هذا اليوم ومازال نَهمُه لا ينطفئُ له سُعار.
ٍ ٍ ٍ
امرأة السرير غيرها امرأة المخيّلة. ولا تجتمعان الا في لحظاتٍ تشبه بروقا عابرة.
ٍ ٍ ٍ
ممر طيران عاصف. كل دقيقة اكثر من طائرة تحلّق على انخفاض متوّسط حيث مجثمها القريب الضاج بكل جنسيات العالم. اظلّ احدق فيها ليلَ نهار محتدما بالهوام تصدح في رأسي. بالامس انفجرت طائرة الكونكورد لاول مرة في تاريخها. حتى الاثرياء مهما كانوا محصّنين بقدرات التكن
لم أشاهد بحياتي طائرة تنفجر هكذا مباشرة إلا في الأفلام. لا استلطف ذلك يكفيني ما أعانيه من انفجارات في رأسي. لم تعد هواجس الفناء تستحوذ عليّ حين اركب الطائرة كما في الماضي، قلقي في السيارات اكثر منه في الطائرات والقطارات.. أنا الآن عل مقربة من الفجر، حيث ت
ٍ ٍ ٍ
في أوقات كثيرة يتبدى معظم الوضع العربي (ثقافيا) دعك من شيء آخر، وكأنما الجميع انخرط في مشهد هذيان جماعي يقوده قراصنة شرسون فقدوا كل أمل بالعودة بعد تحطّم سفنهم وتحولها إلى أشلاء. يختلط في هذا المشهد كل انواع العُصاب والهلْوسة والهيستيريا وما لا يطوف بذهن
كأنما ثأر قديم يحرك عملية انتقامية جبّارة. كأنما تراكم ميراث الانحطاط والقمع ينفجر على هذا النحو العجيب. لقد فقدت الاشياء والقِيم كلّ قِوام لها.
انها ليست الفوضى الخالقة والغضب الذي ينم عن طاقة النقد والاحتجاج. انما الانحدار المقيت لانسانية الانسان وميراثه القيمي الذي ناضل واستمات من أجله طويلاً طويلاً جدا في الزمان والمكان والموجود في ادنى فئات المجتمع حسب السلم المتداول.. ما الذي يمنع سائق الشاح
ٍ ٍ ٍ
ما الفرق بين فجر مدينة واخرى؟ وحتى فجر القرية التي تصحو على غبش اصوات الدِيكة والجنادب وحيوات الطبيعة الصافية وليست العربات والضجيج؟ لا أُكاد المح الا الشبح وهو يعبر في تهاويل الظلام، مرآتَه المقعّرة؛ لا اكاد ألمح الفرقَ إلا لماما.
ٍ ٍ ٍ
لقد لمحتُ الفرق بين فجر المدينة وفجر القرية الزاحف بروائحه ومخلوقاته الحييّة، يعبر روحي بسكينة طفلٍ حلمتُ به قبل ولادتي، يكاد ينفجر فرحا في وجه العالم. لكن بعد فترة ضجرت من السكينة وملاحظة الفروق.
ٍ ٍ ٍ
كان ينتظرها في القرية الوادعة على مشارف جبل قاف، لتضفي مسحة جمال على روحه الخرِبة، لكنها لم تأت.
ٍ ٍ ٍ
أولئك النساء اللواتي توارين في الغياب. هل بقي فمٌ صالح للقُبلة مثل مكان للسكنى، بعد أن افسد الدخان والخراب كلّ شيء؟