رسالة - سيف الرحبي

الفجرُ ينتشر في غرفتي كذئبٍ.
يتقدمه زحف عوائه نحو
قرية مهجورة.
الفجر يفرض لياليه ثقيلاً بارداً،
والساعة تزأر مثل لبؤةٍ في
مُستنقعات بعيدة،
يُعربد صداها في الرأس.
الفجرُ هذه الليلة هكذا
وأنت غائبةُ عن السرير.
بائعة فطائر
دائماً أقطعُ الطريق المؤدي إليها
وهي ترمق صباحاً يطلع من رأس
بُحيرةٍ،
بينما كلبُ المقهى يزداد نباحهُ
كأنما حدأة ستمزق مضجع الحارة بعد قليل.
الشاحناتُ عبرتْ في اللحظة حدبة الجسور
لتستوطن قلبَ مشردٍ (خاصَّة وقت النومِ)
أراها تهرش اللحم كالطيور الجارحة
وتختفي في أزقة الشرايين.
لكن المطر لا يزال ينزل أمام دُكانها وهي
ترتب الفطائر بهلوسات ملاكٍ.
* فطيرةُ واحدةُ.
- 4 فرنكات.
وتختفي الشاحنات والنباح في
أنفاق المترو، أستمعُ
إلى عازف ((الجاز)) الذي لم يعد يتحدثُ
عن أية أحلام.
((كلوشار)) نائمُ، بين تعاريج صرخاته،
أرى قطيعاً من الثيران
الوحشية
تتدفق على الشوارع المأهولة بالقتلى
تاركة
بصمة الزمان.
البراءة الأولى
براءة الخطوة الأولى،
بالبراءة نفسها
تقمصتُ ملاك أوهامي
وذهبتُ نحو المرأة التي أنقذفتْ
دهور وجدْها في رأسي
نحو المرأة التي أحب.
كان الليلُ يتكوّر مثل قتيل في الحانةِ
والشارعُ يتلوى جوعاً باحثاً عن
فريسةٍ، تخترقه بين الفترة والأخرى
جلبةُ قطارات تشبه لغط ذئاب
في صحراء، أو هلوسات جيش يحتضرُ
كنت أعبر الرصيف نحو الضوء
الذي انفجر فجاة من تحت أضلعي
شارداً في أزقة الذكرى حيث
يتسكع السكارى والمشعوذون
على ضوء الشموع التي أوقدتها
المرأةُ، التي دوّختني عبر
القرونِ
أصعدُ السلم الخشبي الذي طالما
تدحرجتْ في ثنياته كل طفولةِ
أيامنا المعّشبة.
وكما في قصص ((الجنيات)) ينفتح
البابُ، يقودني ضوءُ أضلعي الشاحبُ،
وبجرأة عاشق وحيد يهوي وسط
ظلال الأساطير على سرير الملكة.
وبالبراءة الأولى، براءة الحُلم التي تلمعُ
في الليل مثل بريق شفرةٍ لم تستعملْ،
صرختُ ((إن ما أحضنه كان جثماناً
للمرأة الغابرة)).