لشغلي بأهل الدهر إحدى العجائب - نور الدين السالمي

لشغلي بأهل الدهر إحدى العجائب
وتركي طلاب العدل إحدى المصائب

فصوبت فكري أي حال يكون لي
منارا به أسمو لأعلى المراتب

وأي مقام فيه أغدو مجانبا
لأهل الهوى والغي من كل لاعب

وأي خصال إن تحلى بها الفتى
تميز فيها عن ذوات الجلابب

وأي طريق أقتفي في سلوكه
سبيل رسول الله زين المناقب

وفيه رضى الرحمن ربي فلم أرى
سوى طلب العليا لتلك المناصب

فجشمت نفسي الصعب علما بأن في
تجشمها للصعب درك المآرب

وأوردتها مر الموارد راجيا
ليحلو لها في المجد ورد المشارب

وحملتها الصبر الجميل محاولا
بلوغ المنى بالفتح من خير واهب

وجردت من عزمي بحدي صارما
أقد به هام الخطوب النوائب

وجبت به شرق البلاد وغربها
وفتشت هذا الناس من كل جانب

فأمحضتهم نصحي وصفو مودتي
وأودعتهم سري فأخطوا مطالب

خلا سيدا حاز العلى في مناقب
بقا الدهر عن إحصاء تلك المناقب

همام له في المجد أصل مؤثل
حمته المعالي بالقنا والقواضب

نشا في بساط العز طفلا ويافعا
وألقى عليه العدل أثواب راهب

ترى شخصه فوق السرير وإنه
له همم فوق النجرم الثواقب

تراه وإن ينأ الملوك كأنه
حواليهم من هوله المتقارب

فلا تعجبن منهم فقد شاهدوا له
ضرائب ما إن مثلها من ضرائب

إذا ركب الخيل الجياد وحوله
بنو الحارث الأزدي خير العصائب

ومن حوله نجلاه عيسى بزهده
وعبد الإله في الوغى ذو الكتائب

تضيق به شرق البلاد بأهلها
إذا سمعوا أن الفتى بالمغارب

وقام لنصر الدين والدين دارس
فأحيا به الرحمن مهجة عاطب

ومن ينصر الرحمن ينصر جنوده
ويمنحه المنان خير المواهب

ومن تكن الدنيا له غاية المنى
فلا عاش إلا في هوان المصائب

ومن يرتدِ ثوب المذلة لم يزل
وجدك محفوفا بهول المتاعب

ومن يتق من مثله ضل رأيه
ولا زال مقرونا بكبرى المعاطب

ومن يرتض ذل المهانة مركبا
فقد باء مذموما بسوء المراكب

ومن يمتط في المجد مخطر أمره
فبشره في العقبى بحسن العواقب

لعمرك إن العز في طلب العلا
وإن تك ناشتك العلا بالمخالب

ولا خير في عيش مشاب بذلة
وإن يك في روض الجنان الأطائب

أصالح ركن الدين أمسى مهدما
وأمسى مكان الذكر غي الملاعب

أصالح أن الجهل أرخى سدوله
وألقى علينا حالكات الغياهب

أصالح إن العلم أقوت رسومه
وليس له لولاك لهفة نادب

أصالح إن الناس ألقوا ذمامهم
وما لهم في الله رغبة راغب

وقد يسر الرحمن كلا لما له
وكنت لنيل المجد من خير كاسب

فقم وانصر المولى وعد للذي مضى
فلا زلت سعايا لخير المكاسب

فيمنحك الرحمن فتحا مؤيدا
ويجزيك فيما رمت حسن العواقب