متاهات الفقد / غياهب الجنوب - يوسف الديك

ملحمة شعرية
- 1 -
قد أرتقي سُحُبي لأُطلّ من شرفاتها
على روحي تحلّقُ في الجنوبْ .
أو أتّقي شُهبي لأنزف مهجتي شوقاً
لبحرٍ عانقته الشمسُ في عُرس الغروبْ .
تسعون يوماً والدموع وسادتي ...
والقهر يحرق شمعةَ العمرِ الأخيرة
آهِ من حزني على عمرٍ يذوبْ !!
ستؤوب أجنحةُ الطيورِ لحُلمِها
... لهدوءِ عُشِّ سُباتِها
لأنينها ..لحنينها ..
ويظلُّ قلبي ... بين كفَّيها
كعصفورٍ يئنُّ ولا يتوبْ .
عُد يا حبيبي صامتاً ومكابراً
فالنارُ بين أصابعي تسري ...
تَمْحي ملامحَ رعشتي
فتمّحيِّ الخُطى
والذكرياتُ على الدروبْ.!!
******
- 2 -
أحلامُنا الصُغرى نخبؤها ..
لنعيدها جمراً على جرح الغيابْ
فنحن أدرى بالحنين ..ونحن أدرى بالعذابْ
ونحن نعرف أنَّنا نمضي إلى وهمٍ
ولكنّا نحبُّ الوهمَ .. عن وعيٍّ بلا وعيّ
ونفتقدُ السرابْ
نمضي إلى ما ليس يعنينا
وندركُ أنَّنا سنعودُ منكسرين
مثل فراشة ترنو لضوءٍ سوف يحرقها
وتبحث في السؤال لكي تعودَ بلا جوابْ .
يا أمّنا الأرضُ احملينا واتعبي فينا مليَّاً
واملئينا بالأسى حدّ الحناجر
واحرسي رمشَ الحبيب بدمعنا لا تكسريه / فتكسرينا
يا أمّنا الأرضُ اقتلينا عاشقين ،
بحلمنا / ولكن ..
حاذري يا أمّنا أن تخذلينا .!!
****
- 3 -
لله درُّ حبيبتي في صمتِها ... كم تحتملْ
لله درُّ قصيدتي ..لا تكتملْ
لله درّك أيُّها الحبُّ الذي أغويتَنا ...
والدرب طالَ ..فلم نصِلْ
خذني إليك ، فلي عليكَ كرامة منذ التقينا
أيُّها الحبُّ ..انتظر ..أتعبتَني، لا ترتحلْ .
سأُعِدّ شاياً للمساء ..وأنتظر
فلعلّ شبّاكاً يطل بوجه " ش " يكتحل
والشاشةُ الخرقاءُ مثلي ...والجفاف يلّفها
لا من يعاتبُ أو يكابرُ حين يُخفي شوقََهُ
لا من يردّ عن المساءِ برودةِ اللحظاتِ
عقمَ الوقتِ .. في زمنِ الخراب المتَّصِل .
لا الهاتفُ المحمولُ يحملُ صوتَها
لا من يحدُّ من ارتباكي/ حيرتي / قلقي عليها
منذ أن غابت وراء الفقد والأحزان
لم تهدِ قلبي رعشةً ، أو تتّصلْ.
*****
- 4 -
الناسُ أصفارٌ إذا غاب الحبيب
مذاقُ الشاي..
صوتُ النّاي .. مرّْ
والوقتُ صمت جنائزٍ يحبو
ودقّات الثواني ..جمرْ
وعلى اتّساع الكونِ ..ضيقةٌ دروبُ الحُلم
شاهقةٌ سفوحُ الصبرْ
لغتي تفيضُ بكلّ أنواع الأسى
ولضحكتي طعم النحيب
كم وحدي سأكتب صبوَتي
صهوَتي ريح النّوى..
وقصيدتي موتٌ ..وقهرْ ..!!
****
- 5 -
الطقسُ ينثرُ قيظَه دبَقاً ...
ويفورُ في الإبط الدَّبقْ
ويترك في الأنوف زكامَ رائحة الشواءِ الآدميِّ
ينتشر العرَقْ
ملحٌ وبارودٌ ..وفوضى في الطريق ..
وفي الأفُقْ
والسائح الروسيّ يسأل " أختَه في البوح "
كفاكِ خلعاً ... مثلما جئنا إلى الدنيا ، عرِينا
فمن أين الهروب ..إلى الجليد ..
وبمَ التبخّر والتجمّر
دلّيني على باب النفّقْ ؟
****
- 6 -
في آخرِ الحوار
بداية الفرار...
ماذا عليها أن تقول صبيّةٌ مقهورةٌ
لخطيبها الثرثار؟
ماذا لو استمعت لصوتِ حنينها
للعشق يسكنها بغير قرار
ولمن تحنّي راحتيها ..؟
تزدهي بجديلةٍ من شعرها..!!
تدلّك صدرها
يبدو من المرآة أكبر من حقيقته..وأشهى
للمرايا سحرها ...حتى مع التكرار .
في آخر النهار ..قالت لجارتها :
لا أطيق الظنّ أنِّي حاجةً شخصية..
ليكمل بي رجولته/ اشتراني
والذي أهواه.. حين يلمسني
يتمتم ... ثم يقسم :
من أصابِعه ..يغارْ ..!!
*****
- 7 -
لا شيءَ يشبهُنا تماماً
لا حبَّ مثل هيامنا في الكون
خمسون صيفاً ينقضي ..
وأنا أفكّر بالمتاهةِ في الذهولْ
خمسون عاماً...سوف يطويها الخريف
أوراقُ هذا العمر.. يرعبُها الذبولْ
والقلب يعرف أنّه يأسى ولا ينسى
وحين ينبضُ يتّقي صمتاً يطولْ ..
لا شيءَ يشبهُنا ..ولكنْ
كلُّ ما الأمرِ أنّا
قد تركنا حلمَنا يمضي لغايتِهِ
بدأنا ..درب عودتنا من الأيام
واقترب الوصولْ ...
ماذا علينا إن تسرّب من أصابعنا الهواء
و انتهينا .. أن نقولْ ؟؟
لا شيءّ يشبهنا تماماً
صرنا نرانا في المرايا غيرَنا
ضحكاتُنا ...سكناتُنا ..
كذبةٌ حتى الملامحَ ..
إرثنا فيها البلادة والخمولْ .
*****
- 8 -
من يهدني خبراً
فيردّ عن روحي جراح الانكسارْ ؟
من يأتني بنسمةٍ من عطر خديها
لتعودَ للقلبِ احتمالاتُ النهارْ!!
شبّاكها البحريّ يؤلمني
وتؤلمني خيانات الطريق
غواية الشطآن في عبث البحار
أخبارها انقطعت كزرِّ قميصها
والوقت يختبرُ احتضارَ الصبرِ
حدَّ الانهيارْ
قمري وراء سحابةٍ مجنونةٍ
لا الريح تحملها ..ولا، تتساقط الأمطارْ .
******
- 9 -
هنا ..والكلامُ غمامٌ
والمساءُ عويلْ
لا تنتهي الطرق البعيدة بالمسافر للنعاس
ولا كعادتهن في الشرفات ينثرن الورود
وينتظرن القادمين من الحروب بالحناءِ ...
لا زغرودة في آخر الحيِّ القديم..
قد جفّت الأقلام .. في زمن اليـَباس ..
الطقس فولاذٌ على لهبٍ
والأغنيات نحاسْ
وأكُفُّ من صافحتُ من خشبٍ
لا دهشة ..لا شوق ..لا
حتى ولا إحساس
وكأنها خشبٌ ..صارت قلوب الناس
******
- 10 -
في السابعة صباحاً ...
في السابع من شهر الأحزان
حزيران الماضي
أنبأني الهاتف : ثمة قبّرةٌ في صور هَوَتْ
ومراسيم الدفن اكتملت
واكتملت في القلب جراحُ الفقدِ
ويظلّ الموت كعادته يختطف الغافين على مهلٍ
يورثنا ذكرى الحسرات
وذاكرةً تصحو على الوجع الطازج
...أصعب ما فيها النسيان ..!!
******
- 11 -
لا كلّ من ناداني مبتسماً صديقي
صار لي حقاً صديقْ
ولا تلويحة الأيدي التي تعبت على الشرفات
تنتشل الغريقْ
لا أنتِ أنتِ حبيبتي
ولا الطريقُ هو الطريقْ
*****
- 12 -
ثمّةَ في لندن منضدةٌ
تتكسّر في غربتها وغرابتنا
وتشقُّ علينا شرشفها الورديّ ، كأرملة ثكلى
وتنوء بحِمل الأطباق الخزفية
آنية الفضّة ..حيث نثرنا فيها الورد
ستعاتبنا في وحدتها
ينخرها السوس بحمّى الوجد ..!!
قالت للمقعد :
قرّب من ساقيَّ ذراعك
والمسني .. ، ... كم أنت بليدٌ
وغريبٌ عن خشبي جلدك يا هذا الكرسيّ الوغد ..!!
ثمّة في الغرفة لوحاتٌ كنّا علّقناها للذكرى
طوتها والذكرى سنوات الفقدْ ..!!
وفِراشٌ كنّا نسقُط عنه ونضحكُ
يؤلمنا أنّا سقطنا في العتمة
حين أضاعتنا العزّة بالهجر
وزيف الصدّ ..!!
*****
- 13-
ما ضرّ شعري أن ينام بخيمة الفقراء
أو رمال البحر
أو ترف القصور
ما همّني التصفيق.. ،
لست راقصةً تمارس عُريَها بين السكارى
تكشف الردفين كي تُسبي الحضور
فالشعر أجمل حين يسري طازجاً في الروح
وحين يحتضن السهارى خمرَهم ونساءهم
سينام في الصحراء ..كالغرباء ..
أو بين القبورْ ..!!
تُبلي البلابلُ عمرَها بالشَّدوِ
تُطربنا ..
وتموتُ حين تموتُ صيداً للصقورْ .
******
- 14 -
ما الفارق النسبيّ بين العهر جهراً ..و الفضيلة ؟
وبمن ستحلم من تقاسمها الهواة جميعهم
إلا بمن لم يستطع أن يبصر الأشياء حوله
إذ رضيَ الفتات على الرذيلة ؟
ويباغت المختَلُّ رغبته بها ...
وبها ...سيخرج صاغراً وبلا رجولة
لو يعرف الدنيا ..وما كتبت له
لاختار قبراً من مقاسه ..في الشتات
وصاح ملء الجوف كلاّ ..
إنما سلبته لبّه حين أغوته بساقيها وأحمرها
ولم تعدم بهاتفها
بشهوتها وسيلة ..!!
ما الفارق النسبيّ ..
بين من ألقى بها من الشبّاك
والذي اقتادته كبشاً ..للفداء
مسلّماً ..مستسلماً ..من غير حيلة .
******
- 15 -
عادت كتائبنا من الحرب الأخيرة
للجنوبِ / من الجنوب
قصصٌ عن الأبطال كيف استبسلوا في كل شبرٍ
و الشهداء ... كيف تسابقوا
والأرض تحملهم على كفّ الحنين
وتبوسهم ..بين العيون ...
ترابها عطر الندوب
وغداً تعود دلال ...يا الله
كم لهذي البنت عشاق
وكم لها من أغنيات في الدروب
ورفاتها رغم السنين معطرٌ بدم الشهادة
طازجٌ وبخضرة النعناع معصمها
ولها بلادٌ من ورودٍ في القلوب
وغداً يعود سمير ..
قنطارٌ من السنوات ..هامته
هو عرسنا العربيّ ..فلنهنأ به
وليستظل الراكعون بزيفهم
فهنا...لنا... من زعفران الحبّ
نكهة الليمون ، أجنحة النوارس
صوت فيروز البعيد من التلال
معجزة الصمود
ولنا الجداول ..والفسائل ..والسنابل
بحر صور ..السرّ والتاريخ
كم مرّ عشاقٌ هنا ..
تركوا أصابعهم ..على رمل الشواطئ
قبلة أو لمسة
في أغنيات الموج تمتزج الحكاية
ذكريات العشق...أسئلة الحروب
*******
- 16 –
ردّي لقلبي خفقة مسروقة ..منذ الغياب
ردّي الندى بين الضلوع
فقد تجفّ من اليباب
يا من زرعتِ رموشك السوداء
أشجاراً على دربي ،
تواسيني إذا نعق الغراب
سألوا ...أتهواها ..فقلت :
هي الحروف .. أنا الدواة
هي نكهة النعناع ..
قطرة الماء الأخيرة حين تبتسم السماء
أنا السحاب .
هي فكرة الصور الجميلة في القصيدة
لذّة المعنى
وأنا على الرفّ القصيدة ..والكتاب .
هي زهرة فواحّة ..عطر الكلام وسحره
وأنا ليمتد الندى وعبيرها
لجذورها صدري تراب ..!!
سألوا أتعشقها ... ؟
فقلت إن كان الغرام هو السؤال
فوحدها تبقى ..الجواب .!!
******
- 17 –
الورد ينمو بالرعاية والحنوّ
وتستعيد بهاءها الأشواك بالإهمال
والحب يكبر في الغياب
لكن نبض القلب تربكه القطيعة
كلّما اهترأت خيوط الاتّصال
خذ ما تبقّى يا حبيبي من دمائي
خذ خطوتي .. خذ قوّتي
ماء العيون هشاشتي
خذ ما تيسّر من بقايا بسمتي
وسنا بكائي
خذ تراتيل احتضاري
رعشتي / أرضي ونبضي / خذ سمائي
خذ ما تشاء ..وردّ لي
ما ظلّ فيك من الوفاءِ .
******
- 18 -
أرنو فأدنو من مرافئ لا تطل على البلاد
أهفو ..فأغفو في الحنين كجمرةٍ تحت الرماد
وألوذ للحلم المخبأ ..
ربما ..تتشابك الصورُ الحزينة
باحتمالات الصراخ المرّ ...
وما تبقى ..كل أيامي حِداد
لا تسألوني ..ما اسمه
فالحب عصمتنا ...وحصَّتُنا من التَّعبِ اللذيذِ
والموتِ الشهيّ ..
عصيّة سبلُ الحياة إذا لم نفترش رمل الشواطئ
بانتظار البحر ..
لا نحتفي بصدى المياه
لنا وراء الماء .. ظِلُّ السِندباد
متى يعود من البحار السندباد ؟؟
متى يعود ...الموج
من هذا المدى
قلبي يراودُ نبضَه عن نفسِهِ
ويسأله ..وقد نفذت ذخيرته
أين العتاد ؟
سبابتي ..
تسعى على مهلٍ لتعبث بالزناد ..!!
******
- 19 -
يا مريم يا صاحبة العفّة
نخلة هذا الزمن بلا رُطبٍ
وتضاهي قطرة نفطٍ واحدة
كل دماء الفقراء بمختبر الدولة
هذا ما تبحث عنه الشمطاء
وصاحبها في البيت الأبيض
هل نضجت عبثاً
في القدر حجارةُ أمريكا
على نار الصدفة ؟
يا مريم .. هزّي بيمينك
مُضْغَتُنا .. أنكرَتِ النُّطفَة .
******
- 20 -
عاد الرجال إلى الجنوب المنتصر
والسجن بات على فراغٍ ..
حين يذكرهم هدوء الصمت
لم يتعوّد الجلاّد بعد ضجيجهم في الليل
أنّات يردّدها صرير الباب كلّما لمسته كفّ
كالمريض المحتضر ..
كتبوا هناك على الجدران أسماءَ الأحبّة
طرّزوا كلماتهم على سطحِ الهواء
وعوّدوا القضبانَ
تسأل الحرّاس عن أصابعِهم إذا انشغلوا
قاماتُهم أعلى من السحبِ البعيدة
سحر عيونهم وهج اللآلئ
يبدأ الإشراق من جبهاتهم
وصدورُهم ساحات عرسٍ
تزدهي الرايات حول رموشهم
والمشهد الأزليّ ..وحده يختصرْ .
******
- 21 -
كلّ الجهات إلى الحبيب تعود بي
كل المنافذ نحو صدره مغلقةْ
والوقت لا يمضي ...أراقب معصمي
وبنادل اللحظات تمضى باتئادٍ..
ودقات العقارب... مرهَقةْ
جسدي مرامي ربوة مهجورة
والخطو يحملني متاهة شرنقةْ
يا بنت أكثر من غياب حارقٍ
هذا احتضار مسافتي
لولا احبّك ...قطة مغرورة
كنت استعرتُ قميصَ هتلر
واختصرتُ بما تبقى
منكِ ..فيكِ .. المحرقة .
******
- 22 -
أنا لو أعدّ على يدَيَ حرائقي
فليس تكفيني الأصابعْ
كم راودت ريح الشمال حدائقي
فتنسّمت وردي ..وأورثت المواجعْ
لا البحر يغسل ما تبقى من خطى العشاق
ولا الرمال ...تريد أن تنسى
عناقيداً تدلّت من مكابرة المدامع
الحبّ في زمن التبلّد سلعة
لا روح فيها ...
مثل رسائلٍ الجوال ..
باردة يجيء بها البريد
لا عطر الحبيب على الغلاف ..
ولا طوابعْ .
******
- 23 -
يا بنت الممحاة المتآكلة
القلم المكسور
الأوراق ، اللون النازف من فرشاة مهترئة ..
والصمت المتنامي فينا
من علّمك الحزن
وأودع في عينيك ذبولاً
تعجز عنه الأغصان الجذلى
سيّدة القمر المتعب بين السحب
متى ستضيء الشرفات بنرجس خديك
فتحلو الأيام ...وتحيينا
الريح تهبّ ..ينوء الحبّ
وتسقط من أطراف حكايتنا
اللهفة ..
تمطر أسئلة الجرح على الخدين
الدمع ..الحيرة
وليس تجفّ مآقينا .
******
- 24 -
من أين تبدأ في بلادي الأسئلة ؟
قلنا المراحل أقبلت ..
بنماء زهرِ الفكرة المستبسلة
والراكعون ..وما تناسل من خواء السلم
قد تزلزلوا
وغداً ستنبت من دم الشهداء أشجارٌ
بكلّ شبرٍ ..سنبلةْ
يا ويحها أحلامنا ...
عادت إلينا ...كلّها عَورٌ
خجلى بما حملت لنا ...
هذي الفصول المُخجِلة
يا ويحنا في غزّة فوق الجراح
نرّش ملح المهزلة
لا فتح تفتح كوّة للضوء
ولا حماس بما احتوت من مجد ماضيها لها
فيما تبقّى من نضالٍ أُنْمُلةْ
دمنا الذي لم تستطع كفّ العدو نواله
نالته أيدينا ...
هنيئاً ..
يا بلاداً قدّمت قربانها أبناءها ..
لفصائلٍ مسترجلة .
من أين تبدأ في بلادي
يا بلادي الأسئلة ؟
*****
- 25 -
بلادٌ تفتش بين بنيها
عن الابتسامة
وتُطرق خجلى ..فتنسى الجميع
وتسأل ..أين الرجال ؟؟
وأين الشهامة؟؟
رصاصٌ وقتلٌ ..وأخوة قهرٍ
وكلٌّ يغنّي على لحن زيفٍ
يلومُ ويقتلُ ..باسم الملامة
بلادٌ ...تفكّر بالراحلين
وتبكي عليها ، ..وتبكي عليهم
وتملأ خد الرصيف ندامَة
*****
- 26 -
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراقْ ...
دم الأحبّة في العراقْ
أشكوكَ يا زمناً
تدّثر بالخديعةِ
وانتهى فينا .. إلى مدحِ النِّفاقْ
*****
- 27 -
الأرض واقفةٌ ، حبيبي لم يعد
وقصيدتي اكتملت ..
بسندسها ونرجسها وهاجسها الغنيّ عن الحقيقة في الخيال
سأغادر الآن المدينة للفراغ
وأقتفي آثار سيدة كتبت على الرمل المبعثر عمرها وعدّت ما تبقى من جدائل شَعرها .. واستسلمت لمشاهدٍ " تُركيّة "
لو جاز الاستنساخ شرعاً ..لانتهينا من خشونتنا
واقتصرنا كل أصناف الرجال في الوطن التعيس على " مهنّد "
من أين نأتي للبنات جميعهن .. بما حلمن ..
وقد تدبلج صوتنا بين المشاهد ،
حاضرنا .. وآتينا .. بما فينا ..كماضينا تبدّد .
عادَ التلاميذ الصغار إلى المدارس ..
لم يجدوا مقاعدهم ..ولا أحلامهم مذ خبؤوها أول الصيف ..
كبرت معلمة الرياضة موسمين / تزوجت من بائع البوشار
بطنها امتلأت قليلاً
والمديرة ... عادها الضغط المصاحب لارتفاع السكّر المغشوش
كرّاساتهم ..أعلى من الأعناق نصف مترين ..وأكثر .
..وتناسلت بين الرفوف أنثى العنكبوت
قال الفتى الموهوب ..: أمّي ، هل وُلدنا للدراسة ؟
أم وُجدنا كي نموت ؟
كلّ شيء كان حلواً ..وتغيّر.
قالت الأم : امتثل ..للحاضر ..
انتبه للدرس واقرأ ما تيسر .
كل ماضينا .. مزوّر .
*****
- 28 -
أنوء بحملِ المآسي جبالاً
..وأصمتْ
*****
- 29-
درويش ماتْ
فليصمت الشعراءُ دهراً
ولتبكِهِ كلّ النوارس .والبنات
درويش ماتْ..!!!! .
ماتت عصافير الجليل .
حزينة ...
ونكّسَت هاماتها ، كمداً عليه
وغصّت الكلماتْ
درويش ..مات !!!!
مات الحنين لـ خبز أمّي
حصان دهشتنا ..ورعشتنا
وغربتنا ...
عنوان وحدتنا .. الوحيد
" متفّقٌ عليهِ "
آسرنا ..وساحرنا
وهدهدنا ..
كلّ الضلوع له مساكن
والمآقي ...أمّهات ..!!
درويش ..ماتْ
فانتهت القصيدة ...
واكتملت فصول ...الحزن
واختلطت شرايين القصيدة مع حبر الدواة .
*****
- 30 -
السروة انكسرت
وهذا الصيفُ أمطرَنا دموعاً
خارج الوقت انتحبنا ..وانحنينا
وانسكبنا ..بالحنين
السروة انكسرت
وتشابكت أغصانها ...
وهوّتْ ، فمالت قي بلادي السنبلات
ومرّغت بالدمع خدّيها سفوح الياسمين
هل للحقيقة وجهٌ واحدٌ في اللاوجود ولا عدم ؟
هل يرجع الشعراء والشهداء صفّاً واحداً في الحشر
تمتزج الرصاصة بالقلم ؟
هل نلتقي درويش ثانية على أطراف غيمتنا ..وخيمتنا
لترتيب الكلام الفوضويّ المرّ ، ما ترك الغياب من السحاب معلقٌ ..وما نسيّ الرحيل من الهديل على المعاني ، واحتضاني روحه الجدلية الآفاق في الثنائيات حين تنكفئ المباني ، كلّما عبّرت عنّي في زوايا المسرح العبثيّ يردعني .ويأخذني الممثّل من تخوم المسرحية/ يرجعني
يا بلاداً ...سافرت في ظلّ قامته ..وعاد محمولاً على الأعواد ..شفّافاً بريئاً واضحاً كالباء في بوّابة الأبدية / القدس ... النشيد الملحميّ .. الشعر ..جمهرة الأغاني!!
هذا اسمه ... ربّما حورية أسمَته يوماً ، أو سليم ..
الميم : مات متيماً متيمّماً مذ مدّه مرج بن عامر بالخلود على سفوح الاقحوانِ .
الحاء : حرب الداخل العبثية ...الحرية المنسيّة .. حرقتان تبدلان حقيقة الظلّ ..انسكاب الزيت من جرح القناني .
الميم : مرة أخرى ...مسافات التوحّد في المرايا ..ريثما يصحو الحبيب على غيبوبة التخدير ..
هل عشب الخلود يحمي قلبهُ من قلبهِ ..
نحو السكينة تحت نافذة القيامة ..
هل لون النهاية ..كالبداية ..أرجواني ؟
الواو : ورد المزهرية ذابلٌ ،
وجعٌ على شرفاتنا ..
ورقٌ سيبكي مرتين .. على اسمه ..والشعر ..لا أحدٌ يصدّق ما تكابده النوارس في بحارِ الآخرين ..وما تعاني .
الدال : دلُّوني على قبرٍ توَسّده ... لأقرأ فوق شاهدهِ السبعَ المثاني .
****
12/9/2008