قصة القدس الحزينة - زينب حبش

أول زيارة لمدينة القدس بعد احتلال 1967
*
أصدِقائيْ
يا أحَب الأصدقاء
لا تلومونيْ إذا كنْتُ حَزينَةْ
فأنا الحزْنُ خِماريْ
مُدْ غَزا الأعداءُ داريْ
وأحالوا بَلْدتيْ الخَضراءَ
أَطْلالاً قَديمةْ
دَمروا فيها الحَياةْ
دَنسوا فيها مَحَاريْبَ الصْلاةْ
وَالوجوهُ الحلوَةُ السمراءُ
قَدْ صارت سَقيمَةْ
وابتساماتُ الصغارْ
مَزقوها
بالمَدفِعْ
بَالقنابل
بَالرصاصْ
حَرقوا الفَرْحَةَ في عينِ الصغارْ
بالمَدفِعْ
بَالقنابل
بَالرصاصْ
زَرَعْوا بالرعْبِ أحلامَ الصِغارْ
بالمَدفِعْ
بَالقنابل
بَالرصاصْ
بَلديْ الْقدسُ أَنا
والقدسُ أنغامُ حَزينَةْ
وَالدموعُ الصفْرُ تَجتاحُ المَدينَةْ
لستُ أَدريْ إخوتيْ الأحبابَ
من أَينَ سأَبْدَأ
قصةَ القدسِ الحَزينَةْ
طفْتُ فيها اليومَ
في كل طريقْ
لَمْ أدَعْ في القدسِ حارَةْ
كلها
كلها يا إخْوَتي كانتْ تنادينيْ
بدَمعاتٍ حَزينَةْ
فإذا بالدورِ قَدْ صارتْ حجارَةْ
والعماراتُ الجميلَةْ
قَدْ أحالوها قَذارَةْ
طفْتُ في القدسِ
وَلي فيها صَديقْ
آهِ هذا الوقْتَ
ماَ أغلى الصديقْ
وعَلى البابِ...
اعذروني ...
أي بابْ!
لم يَعدْ يا إخوَتي للبَيتِ بابْ
لم يَعدْ للبَيتِ آثارٌُ
سوى ذَر الترابْ
لم يَعُدْ للحيِ
كل الحيِ
آثارُ
سوى ذرِ الترابْ
وعلى القربِ
رجالٌ يَنْدبونْ
وَنساءٌ نائحَاتٌ
وَصغارٌ يَلعبونْ
حَوْلَ جدْرانٍ قَديمةْ
وَصديقي أَيْنَ !
وَالجيرانُ
وَالأصحابُ
وَالآلافُ ممنْ يَسْكنونْ
ذَلكَ الحي الخَرابْ !!*
وَقيلَ لي حكاية صَغيرةْ
كاَنتْ بهذا البَيْتِ
لما كانَ بَيْتْ
امرَأَةٌ فقيرةْ
قَدْ فَقَدَتْ لسنها
ألسمعَ وَالبَصَرْ
وَيَوْمَها
إذ دَمروا البيوتَ بالقنابلْ
ظَلتْ بقَلبِ البَيْتِ
لَمْ تَفر
تَفتتْ
كأي قطعةٍ في البيْتِ
أَوْ حَجرْ
وَيَوْمَها
لَكمْ بكى عَلى أَشلائها الذبابْ
وّحَوْلها
تزَمْجرُ الذئابْ
وَتَقْذفُ الدموعَ والقَنابلْ
وَتمْزجُ الصلاةَ
بالرذَائلْ
طفْتُ في القدسِ
بدمعٍ لا يجف
وَبأبْوابِ المساجدْ
وَالكنائسْ
خلْتُ أني كنْتُ أخطاْتُ المكانْ
أتراهمْ قَدْ أحالوا
بلاجاً للسباحَةْ ‍
أَمْ "بيوتاً" للمناجاةِ
وأعمالِ الوقاحةْ
‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍كمْ بَكَتْ روحيْ دموعاً
منْ عَذابْ
دَمْعيَ الطاهرَ
إنزلْ
لا تجف
طَهرِ الحيطانَ والأبْوابَ
في كل المساجدْ
وَالكنائسْ
وَاحْمل الرشاشَ يا قَلْبي
ودسْ فوْقَ العَذابْ
اخوتي الأحبابَ
من خلف الحدودْ
لا تلوموني
فما زلتُ حَزينةْ
وإليكُم في الختامْ
كل أشواقي وآلامي الدفينةْ
وَيمينُ الثأر
أَنْ نسقيْ العَدو
فَوْقَ ما ذقْناهُ من هَمٍ وَقَتْلٍ وَسَقامْ
وَلْترفْرفْ بَعْدَ ذا رايُ السلامْ ...
والسلامْ
*
نابلس 2/11/1967م