نقوش داكنة من رأس الناقورة - محمد القيسي

إلى رشاد أبو شاور
منعزلا ووحيدا أحلم بالأمطار ,
وشعر حبيبي المبلول على الكتفين ,
سنابل جائعة ..
في فوضى الأشياء ,
وهدأة خطوتنا فوق الأسفلت وحيدين ,
ونق المطر الموسيقيّ على ..
شبّاك الشارع ذات خريف ..
أحلم بالموّال البلديّ , بأمّي
بامرأة لا تعرفني
إمرأة أبعد من هذا الليل ,
وأقرب من هدب العين ..
إذا انتحبت ينفطر القلب ,
امرأة مملكة للعطش الموّار وللرغبات المشتعلة
مملكة للأسئلة – الدوّامة ,
والأسئلة – الفاكهة ,
امرأة لا نزلا للغرباء
امرأة لا مرآة سوداء
***
منعزلا ووحيدا أحلم ..
وطن يستيقظ من عمق الصدر ,
جراح تأخذ في نزهتها
فلماذا من شقّ في الباب تجيئين إليّ ؟
لماذا يستيقظ وطن ,
تأخذ في النزهة والتجوال جراح ,
ولماذا يخطر في البال ..
فراس القيسيّ طريدا
يذرع أرصفة وموتنىء منعزلا ووحيدا
يبحث عن مأوى , أو حب يدفئه ..؟
ولماذا من شقّ في الباب تجيئين ,
وتحتفلين معي , في هذا العرس ,
تميلين بخصرك هذا الناحل ,
هذا الجسد الضوئي , المرويّ جراحا...
وكآبات لا حصر لها ..
ثم تشيحين ولا تعترفين ؟
فأدخل في الصور السوداء حليفا للنهر ,
تتّوجني الأشجار أنيسا للبيداء ,
أنادم أصوات الآتين ,
وتلك رياح تأتيني ..
عبر نوافذ غارقة تحت الماء ,
نقوش داكنة من رأس الناقورة ,
حتى أبعد غصن في المهجر , تهجع ..
فوق سرير القلب , خريطة هذا
القمر الراجف تحتلّ دقائقي الهاربة من
الموت وتفترش الصدر..
خريطة هذا القمر الراجف ..
جارحة كالدمعة ,
ناعمة كالسيف ,
وما بين الدمعة والسيف تناثرت ,
تكاثرت ,
فأيّ رؤى تشتعل زنابق حمراء ,
وأيّ مواسم أستقبل مثقلة بالخضرة ,
أيّ يد تمتدّ الآن ,
وتمنحني رعشتها
أحضن هذا الغبش المتدّفق من عينيك ,
الغبش الفجريّ
الألق اللونيّ
رذاذ ندى القلب ..
أشيل القلب قرنفلة للموت ..
أنادي باسمك .. أصرخ في ردهات البيت ,
أراك فتقتربين ,
أراك فتبتعدين ,
فمن صادر لون الحلم , وطعم العزلة ؟
جرس لا يقرع في الصحراء
سرير لا يحمل اثنين ,
وأفق أضيق من هذي الزاوية المعتمة هنا
في القلب
مبعثرة أكواب الشاي , الكتب ..
القمصان الغامقة الزرقة , زوج حذاء
أسود , وزجاجة ماء فارغة ,
والمنفضة امتلأت بالأعقاب ,
وكابية غرف الأغراب ,
لماذا من شقّ في الباب ,
تبخّر حلمي ؟
يطلع من خلل غيوم الوحشة ,
وجه صديق ..
ينزع للدمع على صدر اليرموك ,
ويلقي بحنان ريفيّ أوجاع الأرض على
صدر الغائبة – الحاضرة , ويحلم ينهار
أبيض , يحلم , يحلم
لكنّ الحجر القاتل لا يأتي ,
هذي المرّة من مقلاع داودي ,
( بيت أخضر ذو سقف قرميديّ ,
فوق الطاولة ينزّ دما ولظى )
هذا وجه صديقي ,
أكثر من شارة حزن يحمل ,
أكثر من دمعة فرح ينقل ,
هذا وجهك يتوهّج بارؤيا والحزن
يتناسل أطفالا موعودين بأنهار من لبن وآرائك ,
يتناسل أزهارا وثمارا ,
وأراك فتقتربين
أراك فتبتعدين ,
سهام لا تأبه بي
تنطلق من الذاكرة إلى الذاكرة ,
فينشقّ البحر ..
يضيء كنهد ,
يتلّون كالشفق الورديّ ,
يصير غزالا
يركض فيّ ..
أصافح في سفر الأمواج :
الأعشاب ,
الأسماك الجائعة ,
الأصداف الفارغة ,
السفن المبحرة ,
الطحلب ,
والحيوات الأخرى
سارا
أيتها الموجة والعزلة ,
والوطن المستيقظ والجرح ..
خذي نزهتك الآن ..