محاولة في السحر - أديب كمال الدين

إلى: د. بشرى موسى صالح
(1)
في ظهيرةٍ تموزية
جلستُ تحت سنّ الشمس
فطحنني الحرّ حتّى ابتلّتْ ثيابي
وقلبي وأصابعي
وسقطتْ من عيني دمعتان
انقلبتا، بقدرة قادر، إلى ساحرين
ثم سقطتْ دمعتان
فصار السحرةُ أربعة
تحلّقوا حولي بهدوء
(لِمَ تبكي؟) سألوني بصوتٍ خفيض
قلتُ لهم: أتعبتني الشمس
وسلّ قلبي مرآى الجمال
أنا المحروم حدّ اللعنة
وعذّبني الجوع
والرغيفُ هنا مغموس بالدم
وأثقلني الفراتُ بالندم.
قال أولهم: أنا من الهند
أستطيع أن ألبسك ثيابَ الذهب.
وقال ثانيهم: أنا من اللامكان
أستطيع أن أطير بكَ من غيمةٍ إلى غيمة.
وقال ثالثهم: أنا من عاد وثمود
أنا من يعطيكَ سرّ اللذة.
وقال رابعهم: أنا من الصين
أنا من يجعل الحلمَ بابَ اليقين.
قلتُ لهم: عجّلوا عجّلوا
فلقد دفنني الحرمان
كما يدفن الزلزال
جيشاً قوامه ألف فارس.
(2)
في اليوم الثاني
جلستُ مرتدياً ثياب الذهب
وتحت قدمي غيمة صغيرة جميلة
وامرأة أحلى من العسل
وأصابع كفّ تجعل الحلمَ – أيّ حلم –
بابَ اليقين.
(3)
لكن الشمس إذ توسّطت السماء
ذابتْ خيوطُ الذهب
فبدتْ ثيابي مهلهلة
وذابت الغيمةُ الصغيرةُ الجميلة
فبدتْ قدمي قبيحة
وذابت امرأةُ العسل
فبدتْ شفتي مرّةً كالسمّ
وذابتْ كفّ الحلم
حتّى تحوّلتْ إلى أصابع هيكل عظمي
فصرختُ: يادموعي يا إخوتي يا أصحابي
أين أنتم؟
أين أسراركم واشاراتكم؟
(4)
صمت السحرةُ الأربعة
لكن رابعهم أشفق على قلبي المحطّم
كمرآة أعمى
قال: أتريد الثبات لا الزوال؟
قلتُ: نعم.
قال: لا سبيل إلى ذاك المقال
إلاّ إذا تلمّستَ شيئاً من روحنا
فأومأ الثلاثةُ بالايجاب.
ثم قام أولهم عارياً من كلّ شيء
قال: سنفعل
سنعطيكَ حروفنا أيّهذا المُعَذّب
ونعلّمكَ نقاطنا أيّهذا المحروم
لكننا نخاف إن تعلّمتها
أن تسخرَ من الذهبِ وثيابِ الذهب
أن تسخرَ من البلدان
أن تسخرَ من الأثداءِ والسيقان
أن تسخرَ من الأحلام
فتكون مثلنا فارغاً
بارداً
ضائعاً
عارياً للأبد.