مالت الشمس مساء للمغيب - أمين تقي الدين

مالت الشمس مساء للمغيب
فبدت للعين في مرأي عجيب

ودعت لبنان والعيش الخصيب
وسماء عمرها فيها يطيب

فلذا اصفرت دليل الحزن
...

إنما الشمس وذاك الإصفرار
حينما مالت وقد مال النهار

شهدت كيف يحول الجلنار
في محيا الصب حالا للبهار

ساعة البين إذا فيها مني
...

مثلها في البحر كانت سائرة
تتهادي وهي فيه ماخره

فلك فيها فتاة ناضرة
ذات حسن وعيون ساحره

وأخوها قربها في شجن
...

قعد الحظ فيه حتى اقتعد
غارب السير ومن جد وجد

والذي لاقاه من بعض الكمد
لوعة لو هي بالبحر اتقد

دون إفناها فناء الزمن
...

ولدن أقبل أهل المركب
نحو لبنان وتلك الهضب

هتفت شوقا فتاة الأدب
بارك اللهم أمي وأبي

ليعيشا بعدي العيش الهني
...

وانثنت تبكي بكا الطفل الصغير
بين نوح ووجيب وزفير

سلمت بنت أبي المجد الخطير
هكذا يقضي على الحر الضمير

هكذا يا قوم حب الوطن
...

بلغا بعد العنا ما يقصدان
بملذات الأماني يحلمان

أمنا شر مصيبات الزمان
وبضيم لم يكونا يعبآن

ليعودا للذيذ السكن
...

إنما الأيام لا تبقى على
حالها للمرء ما بين الملا

بينما الإنسان في عيش حلا
إذ تراه يشتكي مر البلا

هكذا الدنيا وحال الزمن
...

يوم حر شمسه ذات ضرام
أحرقت في ذلك الجو الغمام

دخلا بيتا على بعض الأكام
ليبيعا أهل ذياك المقام

ما اشتهوا من كل صنف حسن
...

كان في البيت فتى فذ الخصال
رب جاه وغنى صعب المنال

مذ رأى الإبنة من أهل الجمال
حدثته النفس في نيل الوصال

لا وربي ليس ذا بالهين
...

هش للبنت وقد حيا الشقيق
وهو لا يحسبه إلا رفيق

فأجابت بمحياها الطليق
مع أخي مولاي أشياء تليق

بمقام السيد الحر الغني
...

سحرت أفكاره بنت الأدب
بخطاب من براعات الطلب

حسب الدنيا لديها والذهب
قيمة تعدل مثقال حطب

يا له غراسقيم الفطن
...

قال أبغي المشترى منك فكم
يا ترى هذا يساوي من قيم

ثم هذا ثم هذا ثم ثم
فأجابته فناداها نعم

وهو مشغول بشيء أحسن
...

هاجه مرأي محياها البهي
واجتناء الورد من خد شهي

فلديها كان كالمنتيه
وهو حقا بالأماني ملته

بأماني نيل ما لم يكن
...

بينما النفس يمني بمناه
طامعا يسبح في بحر هواه

إذ دعاه قولها للإنتباه
كل هذا سيدي مني اشتراه

هل ترى يأمر لي بالثمن
...

قال ما تبغين كي أدفعه
ولها أومي بأن تتبعه

هبت البنت وسارت معه
ليس تدري ما الذي أزمعه

من نوايا شره والفتن
...

وبها لما خلا باح بما
يشتهيه ولدى البنت ارتمى

زجرته إنما ما أحجما
ودنا مستشهدا رب السما

إنه من غيه لا ينثني
...

أجفلت فورا فتاة الأدب
وإليه نظرت في غضب

ثم قالت إن أمي وأبي
غذياني طفلة بالأدب

خسئت نفسك يا هذا الدني
...

إبتعد عني فلن تحظى بشي
طالما بين عروقي الدم حي

شرفي لا إنما أقض علي
ثم نادت يا أخي هيا إلي

كاد هذا الوغد أن يقتلني
...

سمع الصوت أخوها فانبرى
داخلا فارتاع مما نظرا

أبصر النذل يهز الخنجرا
ثم ألفى أخته فوق الثرى

ودماها مثل سيل هتن
...

عشت لا شلت لك الدهر يمين
هكذا فليكن الشهم الأمين

جرد السيف ونادى يا لعين
مت وألقاه على الأرض طعين

إنما الموت جزا الوغد الزني
...

ركض الناس على هذا الصياح
وتعالى الصوت في تلك النواح

أبصراوا صاحبهم دامي الجراح
يسلم الروح فزادوا بالنواح

يذرفون الدمع دمع الحزن
...

هجموا هجمة أنذال الرجال
نحو ذاك البطل السامي الخصال

أوثقوا أيديه في ربط الحبال
خسئت أنفسكم ليس الكمال

أن تشدوا ساعدا لم يوهن
...

ثم قادوا ذلك الشهم إلى
أولياء الأمر كي يلقى البلا

عجبا هل لم يغضوا خجلا
أيجازون بموت بطلا

حالهم تدهش كل الفطن
...

أين تمشي يا ترى هذي الصفوف
كلهم في لفظه الموت هتوف

ألحرب قصدت تلك الألوف
لا لعمري إنما ضرب الدفوف

بينهم ليس دليل الشجن
...

ما تراهم وقفوا صفا فصف
فلدي سر ذا الأمر انكشف

كل هذا الجمع يا قوم عكف
ليروا بينهم موت الشرف

يا فتى لبنان مت لم تهن
...