أشاقك أن تمشي على الهام والدما - أمين تقي الدين

أشاقك أن تمشي على الهام والدما
وراعك أن تبكي وأن تتألما

عذيرك هذا الدمع لو أن في البكا
سوى الذل فاربأ أن تذل لترحما

صن التاج من ذل الدموع فإنني
رأيت إباء النفس للتاج أكرما

ومن نكد العرش الذي أنت تارك
على الرغم أن تبكي وأن تتظلما

أصاب رشاش الدمع والدم قبله
ذراه فسالت بالدموع وبالدما

فغادرته يندى بدمعك جانب
ويقطر جنب من ضحاياك عندما

بكى ذلة عبد الحميد وراعه
خيال الردى في خالعيه مجسما

وهزته خوف الموت رعشة قاتل
رأى شبخ المقتول منه تقدما

فأطبق عينيه مخافة أن يرى
وقال ليخفي نزوة القلب فيهما

عجبت له أن يعرف الخوف قلبه
ويا قلبه ما أنت لحما ولا دما

جرت دمعة في مقلتيه وما جرى
سوى ذوبان من فؤاد تضرما

صدا عن حديد ذاب بين ضلوعه
وسال إلى عينيه كالدمع مسجما

فقيل بكى عبد الحميد بكى بكى
فلم ينسكب دمع أذل وألأما

فيا لجلال الملك بالدمع ضائعا
ويا لسناء التاج بالذل موصما

نظرت إليه في الخلافة رابضا
فأغضبت طرفي خاشعا متوجما

وأكبرته أن يلمس الوهم ذاته
فرد جلال الملك عنه التوهما

يقولون ظل الله في أرضه ولو
أراد يقولوا فوق ذاك وأعظما

فيا أيها الظل الذي كان دائما
خفيا عن الأبصار لكن منجما

نظرت إليه في الخلافة رابضا
فأغضيت طرفي خاشعا متوجما

وأكبرته أن يلمس الوهم ذاته
فرد جلال الملك عنه التوهما

يقولون ظل الله في أرضه ولو
أراد يقولون فوق ذاك وأعظما

فيا أيها الظل الذي كان دائما
خفيا عن الأبصار لكن منجما

تحجب كما تهوى وصل واحتكم ولا
تحاذر بلاء وأغنم العيش منعما

فما هي إلا فرصة ثم تنقضي
ولذة دهر ثم تصبح علقما

إذا حجب العز الممنع عاتيا
عن الناس لم يحجبه عن غضب السماجرى قدر الأيام فيه فلا العلي وقت عرشه السامي ولا جنده حمى

هوى من سماه بالدموع مضرجا
كما انحط نسر من علاه مكلما

فما هان ذو عرش كما هان صاغرا
ولا ذل عات كان أقسى وأظلما

بكى فبكى برا به نجله الفتى
فيا لشقاء ابن عليه تألما

فتى كملاك الوحي لم يعرف الأسى
ولم يتعود غير أن يتنعما

ترفه حتى لم يمس جبينه
نسيم ولم تلمح له الشمس مبسما

إذا نفحات الزهر راعت فؤاده
بطيب شذاه عوقب الزهر مجرما

أحب أباه والفتى غير واجد
أبر فؤادا من أبيه وأرحما

رويدك يا عبد الرحيم ولا تكن
جزوعا وحاذر أن ترق وترحما

أبوك جنى والشعب عاقبه على
جناياته فليلق عدلا عقاب ما

أبوك أهان الملك فاقرأ حياته
تجد ملأها ويلا وظلما ومغرما

أبوك أذل العرش فانظر لعرشه
تجده كما شاء الشقاء مهدما

أبوك بلى هذا أبوك وهذه
معاصيه فامسح من دموعك ما همي

وقل يا أبي الملك لله وحده
وللشعب هذا العرش فاخلعه مرغما

أعد تاج عثمان لرأس محمد
يعد مجده البالي أجل وأفخما

ورد له سيف الخلافة إنني
رأيت أخاك الحر أمضى وأحزما

إذا أنت لم تحفظ لعرشك مجده
فأهون بهذا العرش أن يتحطما

أمسترخص الدمع العصي أإتئد
فما عصي الدمع الطغاة فتعصما

يهون على العرش الدماء التي جرت
فلا تبتدع خلقا جديدا مذمما

ولا تمتليء عيناك بالدمع إنني
أحاذر أن يغشى البكا ناظريهما

أجل نظرة تبصر بقايا ممالك
خلاء أثار الظلم فيها جهنما

ولا تنس عهدا في ثلاثين حجة
سيحفظه التاريخ أكمد أقتما

فلا أنت أرضيت النبي محمدا
ولا مجد عثمان حفظت مكرما

افرقان في دين وفي مجد أمة
فعوقبت تركيا وعوقبت مسلما

أطل على تاريخ غرناطة تجد
مليكا لها عن ملكه فتهدما

فيا عاتيا لم يتعظ بالألي قضوا
تسلل بان تأسي وأن تتندما