أغاية حظك أن تظلما - أمين تقي الدين

أغاية حظك أن تظلما
وعقبى شبابك أن يرحما

أعيذك من أدمع جاريات
ومثل شبابك يبكي دما

ومن نكد العيش قول الذي قال
إن القبور طريق السما

أفي القبر غير عظام رميم
وفي القبر غير دجى خيما

شقينا وآباؤنا قبلنا
فصاروا ونحن نصير لما

هو الموت فابذل له أدمعا
وإن شئت فابذل له عندما

فليست ترد الدموع حبيبا
وليست تجر الدما مغنما

أقل البكا بعد عباس إني
رأيت بكا حظة أكرما

ومن لم يكن حظه في الحياة
له مسعدا عز أن يسلما

سلام على قبر عباس إني
وقفت به الموقف المؤلما

وقفت به خاشعا جازعا
أودعه مكرها مرغما

وما خانني الصبر فيه ولكن
وجدت بكائي له أحزما

بكيت رفيق شبابي وإني
لأبكي به الصاحب الأكرما

رفيق صبا لم يطل عهده
إلى أن غدا حلوه علقما

سقاني رضاه فلما صحوت
إذا بفؤادي يشكو الظما

فيا ويح حظي بعد الشباب
وحظ الشباب غدا معدما

ومن فجعته المنى في صباه
تراءى صباه له مظلما

رفيق الصبا أين عهد الإخاء
أكان الوفاء بأن أظلما

حنانيك لا أدعي الظلم فيك
أعيذ ودادك أن يثلما

لقد كنت لي ساعدي ويميني
وكنت لديك الأخ المكرما

فإن فجعتني بك الحادثات
فما غيرت قلبي المغرما

ذكرتك ما أنس لا أنس عهدا
نعمنا به زمنا منعما

على شاطئ النيل من ورضة
إلى روضة كطيور الحمى

طروبين نسرح في ظلة
ضحوكين قلبا به وفما

بلى سالمتنا الليالي ولكن
أرتنا جزاء الذي استسلما

يقولون عباس في غربتي
عداه الحمام فلن يعصما

فوا لهفي من صروف الزمان
يموت الحبيب ولن يلثما

فيا روح عباس أين تكونين
في ذا الفضا أم بلغت السما

أفي عالم النور مثل النجوم
تضيئين أم في دجى أظلما

أطلي علينا وبوحي لنا
بسر الوجود لكي نعلما

أفي الكون رب فنشكو له
وربك كان بنا أرحما

أم الكون لا شيء نحيا ونفني
وما الروح في الحي إلا الدما

أطلي أجيبي أشيري لنا
فقد آن يا روح أن نفهما أماجيت ربك في ملكه وقلت له رحمة قبلما

فلي والد أعجزته الليالي
وأم ستقضي أسي بعدما

ولي طفلة لم تحز سنتين
إذا أنا مت فلن تسلما

أعباس نم آمنا مستريحا
فقد قضي الأمر أن تظلما

ومن مبلغ هند في مصر أني
رأيت التأسي بها أكرما

إذا كفرت هند في ربها
فربك يا هند لن يرحما

يقول لعباس نم بسلام
حبيب على قبره سلما

ويا قبر عباس كن لينا
على جسمه لا تكن مؤلما

فتى ملء بردته عفه
طليق محيا ضحوك فما

أيبلو الحياة ثلاثين عاما
ولما بلته قضى مرغما

سقت قبرك الأدمع الجاريات
وإلا سقاه فؤادي الدما