موكب التراب - إيليا أبو ماضي
( في يوم من أيام الصيف الشديد الحر كان الشاعر جالسا مع بعض اصحاب له أمام داره فهبت ريح شديد اثارت الغبار و عقدته في الفضاء كالسرادق . و كان في مشهد الغبار ما حمله على التفكير فنظم القصيدة التاليه :)
--------------
من أين جئت ؟ و كيف عجت ببابي ؟
يا موكب الأجيال و الأحقاب
أمن القبور ؟ فكيف من حلّو بها
أهناك ذو ألم و ذو تطراب ؟
و لهم صبابات لنا ؟ أم غودروا
في بلقع ما فيه غير خراب ؟
***
أمررت بالأعشاب في تلك الرّبى
و ذكرت أننك كنت في الأعشاب
حول الصخور النائمات على الثرى
و على حواشي الجدول المنساب
و على م تصعد كالسحابة في الفضا
و إلى التراب مصير كلّ سحاب
لما طلعت على الشعاع موزّعا
مترجرجا كخواطر المرتاب
و ذهبت في عرض الفضاء كخيمة
رفعت بلا عمد و لا أطناب
قال الصحاب لي استتر و تراكضوا
للذعر يعتصمون بالأبواب
و هب اتقيتك بالحجاب فإنّني
لا بدّ خالعة و أنت حجابي
كم سارح في غابة عند الضحى
جاء المساء فكان بعض الغاب
و مصفق للخمر في أكوابه
طربا ، و طيف الموت في الأكواب
أنا لو رأيت بك القذى ، محض القذى ،
لسترت وجهي عنك مثل صحابي
لكن شهدت شبيبة ، و كهولة ،
و منى ، و أحلاما بغير حساب
و الشاربين بكلّ كأس ، و الألى
عاشوا على ظمأ لكلّ شراب
و الضاربين بكلّ سيف في الوغى ،
و الخانعين لكلّ ذي قرضاب
و الصارفين العمر في سوق الهوى
و الصارفين العمر في المحراب
و الغيد بين جميلة و دميمة
و العاشقين - الصّب و المتصابي
و العبد في أغلاله و حباله
و الملك في الديباج و الأطياب
آبوا جميعا في طريق واحد
الخاسر المسبّي مثل السابي
فضحكت من حرصي على ملك الصبا
و عجبت كيف مضى عليه شبابي
ووقعت أنت على تراب ضاحك
لما وقعت عليّ في جلبابي
و كذاك أشواق التراب مآلها
و لئن تقادم عهدها لتراب