لم أجد أحدا ... - إيليا أبو ماضي

قالت سكتّ و ما سكتّ سدى
أعيا الكلام عليك أم نفدا ؟

إنّا عرفنا فيك ذا كرم
ما إن عرفنا فيك مقتصدا

فاطلق يراعك ينطلق خببا
واحلل لسانك يحلل العقدا

ما قيمة الإنسان معتقدا
إن لم يقل للناس ما اعتقدا ؟

و الجيش تحت البند محتشدا
إن لم يكن للحرب محتشدا ؟

و النور مستترا ؟ فقلت لها
كفّي الملامة و اقصري الفندا

ماذا يفيد الصوت مرتفعا
إن لم يكن للصوت ثمّ صدى ؟

و النور منبثقا و منتشرا
إن لم يكن للناس فيه هدى ؟

إنّ الحوادث في تتابعها
أبدلني من ضلّتي رشدا

ما خانني فكري و لا قلمي
لكن رأيت الشعر قد كسدا ...

***

كان الشّباب ، و كان لي أمل
كالبحر عمقا ، كالزمان مدى

و صحابه مثل الرّياض شذى
و صواحب كورودها عددا

لكنّني لمّا مددت يدي
و أدرت طرفي لم أجد أحدا !..

***

ذهب الصّبي و مضى الهوى معه
أصبابه و الشيب قد وفدا ؟

فاليوم إن أبصرت غانية
أغضي كأنّ بمقلتي رمدا

و إذا تدار الكأس أصرفها
عنّي ، و كنت ألوم من زهدا

و إذا سمعت هتاف شادية
أمسكت عنها السمع و الكبدا

كفّنت أحلامي و قلت لها
نامي ! فإنّ الحبّ قد رقدا

وقع الخطوب عليّ أخرسني
و كذا العواصف تسكت الغردا

عمرو صديق كان يحلف لي
إن نحت ناح و إن شدوت شدا

و إذا مشيت إلى المنون مشى
و إذا قعدت لحاجة قعدا

صدّقته ، فجعلته عضدي
و أقمت من نفسي له عضدا

لكنّني لمّا مددت يدي
و أدرت طرفي لم أجد أحدا !..

***

هند ، و أحسبني إذا ذكرت
أطأ الأفاعي ، أو أجسّ مدى

كانت إلها ، كنت أعبده
و أجلّه ، و الحسن كم عبدا

كم زرتها و الحيّ منبته
و تركتها و الحيّ قد هجدا

و لكم و قفت على الغدير بها
و الريح تنسج فوقه زردا

و الأرض ترقص تحتنا طربا
و الشهب ترقص فوقنا حسدا

و لكم جلسنا في الرياض معا
لا طارئا نخشى و لا رصدا

و اللّيل فوق الأرض منسدل
و الغيم فوق البدر قد جمدا

قد كاشفتني الحبّ مقتربا
و شكت إليّ الشوق مبتعدا

لكنّني لمّا مددت يدي
و أدرت طرفي لم أجد أحدا ! ..

***

قومي ، و قد أطربتهم زمنا
ساقوا إليّ الحزن و الكمدا

هم عاهدوني إن مددت يدي
ليمدّ كلّ فتى إليّ يدا

قالوا غدا تهمي سحائبنا
فرجعت أدراجي أقول غدا

و ظننت أنّي مدرك أربي
إن غار تحت الأرض أو صعدا

فذهبت أمشي في الثرى مرحا
ما بين جلّاسي و منفردا

تيه المجاهد نال بغيته
أو تيه مسكين إذا سعدا

لكنّني لمّا مددت يدي
و أدرت طرفي لم أجد أحدا ! ...

***

هم هدّدوني حين صحت بهم
صيحاتي الشّعواء منتقدا

و رأيت في أحداقهم شررا
و رأيت في أشداقهم زبدا

و سمعت صائحهم يقول لهم
أن أقتلوه حيثما وجدا

فرجعت أحسبهم برابرة
في مهمة و أظنّني ولدا

مرّت ليال ما لها عدد
و أنا حزين باهت كمدا

أرتاع إن أبصرت واحدهم
ذعر الشويهة أبصرت أسدا

و إذا رقدت رقدت مضطربا
و إذا صحوت صحوت مرتعدا

لكنّني لمّا مددت يدي
و أدرت طرفي لم أجد أحدا ! ...

***

لا تذكروهم لي ، و إن سألوا
لا تذكروني عندهم أبدا

لا يملأ السربال واحدهم
و له وعود تملأ البلدا

يا ليتني ضيّعت معرفتي
من قبل أعرف منهم أحدا