لقاء و فراق - إيليا أبو ماضي
صبرا على هجرنا إن كان يرضيها
غير المليحة مملول تجنّيها
فالوصل أجمله ما كان بعد نوى
و الشمس بعد الدّجى أشهى لرائيها
أسلمت للسّهد طرفي و الضّنى بدني
إنّ الصبابة لا يرجى تلاقيها
إنّ النساء إذا أمرضن نفس فتى
فليس غير تدانيهنّ يشفيها
فاحذر من الحبّ إنّ الريح خفيت
لولا غرام عظيم مختف فيهعا
يمضي الصفاء و يبقى بعده أثر
في النفس يؤلمها طورا و يشجيها
مرّت ليال بنا كان أجملها
تمّت فما شانها إلاّ تلاشيها
تلك اللّيالي أرجو تذكّرها
خوف العناء و لا أخشى تناسيها
أصبو إليها و أصبو كلّما ذكرن
عندي اشتياقا إلى مصر و أهليها
أرض سماء سواها دونها شرفا
فلا سماء و لا أرض تحاكيها
رقّت حواشيها و اخضرّ جانبها
و أجمل الأرض ما رقت حواشيها
كأنّ أهرامها الأطواد باذخة
هذي إلى جنبها الأخرى تساميها
و نيلها العذب ما أحلى مناظره
و الشّمس تكسوه تبرا في تواريها
كأنّها كعبة حجّ الأنام لها
لولا التقى قلت فيها جلّ بانيها
و ما أحيلى الجواري الماخرات به
تقلّ من أإرضه أحلى جواريها
من كلّ الوجه يغرينا تبسّمها
إن نجتديها ، و يثنينا تثنيها
و ناهد حجبت عن كلّ ذي بصر
حشاشتي خدرها و القلب ناديها
فقي كلّ جارحة منّي لها أثر
" و الدار صاحبها أدرى بما فيها "
و في الكواكب جزء من محاسنها
و في الجآذر جزء من معانيها
يمّميتها و نجوم الأفق تلحظني
في السير شذرا كأنّي من أعاديها
كادت تساقط غيظا عندما علمت
أنّي أؤم التي بالنفس أفديها
أسرى إليها و جنح اللّيل مضطرب
كأنّه مشفق أن لا ألاقيها
و الشوق يدفعني و الخوف يدفعني
هذا إليها و هذا عن مغانيها
أطوي الدّياجي و تطويني على جزع
تخشى افتضاحي و أخشى الصّبح يطويهعا
فما بلغت مغاني من شغف بها
إلاّ وقد بلغت نفسي تراقيها
هناك ألقيت رحلي و انتحيت إلى
خود يرى الدّمية الحسناء رائيها
بيض ترائبها سود ذوابيها
زجّ حواجبها كحل مآقيها
نهودها من ثنايا الثوب بارزة
كأنّها تشتكي ممّا بولريها
و الثوب قد ضاق عن إخفائها فنبا
عنها فيا ليتني برد لأحميها
و تحت ذلك خصر يستقلّ به
دعص ترجرج حتّى كاد يلفيها
قامت تصافحني و الرّدف يمنعها
و الوجد يدفعها و القدّ يثنيها
دهشت حتّى كأنّي قطّ لم أرها
و كدت و الله أنسى أن أحيّيها
باتت تكلّمني منها لواحظها
بما تكنّ و أجفاني تناجيها
حتّى بدا الفجر و اعتلّت نسائمه
و كاد ينشر أسراري و يفشيها
بكت دموعا و أبكتني الدموع دما
ورحت أكتم أشياء و تبديها
كأنّها شعرت في بعدنال أبدا
فأكثرت من وداعي عند واديها
فما تعزّت بأن الدّهر يجمعنا
يوما و لا فرحت أنّي أمنيها
تقول و الدمع مثل الطلّ منتثر
على خدود خشيت الدّمع يدميها
و الهف نفسي على أنس بلا كدر
ترى تنال من الدنيا أمانيها ؟
فقلت صبرا على كيد الزمان لنا
فكلّ حافر بئر واقع فيها