مسرح العشاق - إيليا أبو ماضي

من سحر من مجيري
يا ضرّة الرّشا الغرير

جسم كخصرك في النحو
ل ، و مثل جفنك في الفتور

أصبحت أضأل من هلا
ل الشكّ في عين البصير

محق الضّنى جسدي فيت
من الهلاك على شفير

و مشى الرّدى في مهجتي
الله في النفس الأخير

جهل النّطاسي علّتي
لله من جهل الخبير

كم سامني جرع الدّوا
ء و كم جرعت من المرير

دع ، أيّها الآسي ، يدي
الحبّ يدرك بالشعور

يدري الصّبابة و الهوى
من كان في البلوى نظيري !..

***

لو تنظرين إليّ كالمي
ت المسجّى في سريري

يتهامس العوّاد حو
لي كلّما سمعوا زفيري

و أظنّهم قد أدركوا
لا أدركوا ما في ضميري

فأبيت من قلقي عليك
كأنني فوق السّعير

و أدرت طرفي في الحضو
ر لعلّ شخصك في الحضور

فارتدّ يعثر بالدمو
ع تعثّر الشيخ الضرير

قد زارني من لا أحب (م)
و أنت أولى أن تزورني

صدّقت ما قال الحوا
سد فيّ من هجر و زور

و أطعت بي حتّى العدى
و ضننت حتّى باليسير

أمّا خيالك ، يا بخيلة ،
فهو مثلك في النفور

روحي فداؤك و هي لو
تدرين تفدي بالكثير

تيهي على العاني كما
تاه الغنيّ على الفقير

أنا لا أبالي بالمصير
و أنت أدرى بالمصير

أهواك رغم معنفي
و يلذّ نفسي أن تجوري

ليس المحبّ بصادق
حتّى يكون بلا غدير

***

كم ليلة ساهرت فيها النجم
أحسبه سميري

و الشّهب أقعدها الونى
و اللّيل يمشي كالأسير

أرعى البدور و ليس لي
من حاجة عند البدور

متذكّرا زمن الصّبى
زمن الغواية و الغرور

أيّام أخطر في المجا
مع و المعاهد كالأمير

أيّام في يدي
أيّام نجمي في ظهور

لمع الفتير بلمّتي
و يل الشباب من القتير

***

لا بالغوير و لا النّقا
كلفي و لا أهل الغوير

أرض ( الجزيرة ) كيف حا
لك بعد وقع الزمهرير

نزل الشّتاء فأنت ملعب
كلّ ساقيه دبور

و تبدّلت تلك العرا
ص من النّضارة بالدّثور

أمسيت كالطّلل المحيل
و كنت كالرّوض النّضير

آها عليك و آه كيف
نأتك ربّات الخدور

المائسات عن الغصو
ن السافرات عن البدور

الذّاهبات مع النّهو
د الذاهبات مع الصدور

الحاسرات عن السوا
عد و الترائب و النحور

القاسيات على القلو
ب الجانيات على الخصور

المالكات على اللآ
ليء في القلائد و الثغور

الضاحكات من الدّلا
ل اللّاعبات من الحبور

الآخذات قلوبنا
في زيّ طاقات الزهور

بيض نواعم كالدمى
يرفلن في حلل الحرير

مثل الحمائم في الودا
عه و الكواكب في السّفور

من كلّ ضاحكة
كأنّ بوجهها وجه البشير

أنّى أدرت الطّرف فيها
جال في قمر منير

***

يا مسرح العشّاق ، كم
لي فيك من يوم مطير

تنسى البريّة عنده
يوم الخورنق و السّدير

و لكم هبطتك و الحبيبة
فازعين من الهجير

في زورق بين الزّوا
رق كالحمامة في الطّيور

متمهّل في سيره
و الماء يسرع في المسير

و الشمس إبّان الضحى
و الجوّ صاف كالغدير

و لكم وثبنا في التلا
ل و كم ركضنا في الوعور

و لكم أصحنا للحفيف
و كم شجينا بالخرير

و لكم جلسنا في الرياض
و كم نشقنا من عبير

و لكم تبرّدنا بما
ء نهيرك الصافي النمير

طورا ننام على النبا
ت و تارة فوق الحصير

لا نتّقي عين الرّقي
ب و لا نبالي بالغيور

فكأنّها و كأنّني الأبوان
في ماضي العصور

حسدت عليّ من الإنا
ث كما حسدت من الذكور

ظنّ الأنام الظنو
ن و ما اجترحنا من نكير

قد صان بردتها الحيا
ء ، و صانني شرفي و خيري

***

و مطيّة رجراجة
لا كالمطيّة و البعير

ما تأتلي في سيرها
صخّابة لا من ثبور

تجري على أسلاكها
جرى الأراقم في الحدور

طورا ترى فوق الجسو
ر و تارة تحت الجسور

آنا على قمم و آ
نا في كهوف كالقبور

ترقى كما ترقى ( المصا
عد ) ثمّ تهبط كالصخور

فإذا علت حسب الورى
أنّا نصعّد في الأثير

و إذا هوت من حالق
هوت القلوب من الصدور

و الركب بين مصفّق
و مهلّل جذل قرير

أو خائف متطيّر
أو صارخ أو مستجير

هي في التّقلّب كالزّما
ن و إنّما هي للسرور

و مدارة في الجو
يحسبها الجهول بلا مدير

لو شئت نيل النجم منها
ما صبوت إلى عسير

مشدودة لكنّها
أجرى من الفرس المغير

زفّافة زفّ الرئا
ل تسف إسفاف النسور

و لها حفيف كالرّيا
ح و هدرة لا كالهدير

كالأرض في دورانها
و لكالمظلّة في النشور

القوم فيها جالسو
ن على مقاعد من وثبر

و الريح تخفق حولهم
و كأنّما هم في قصور

و الجمع يهتف كلّما
مرّت على الحشد الغفير

***

و لكم تأمّلنا الجمو
ع تموج كالبحر الزّخور

يمشي الخطير مع الحق
ير كأنّما هو مع خطير

و ترى المهاة كأنّها
ليث مع اللّيث الهصور

متوافقون على التبا
ين كالقبيل أو العشير

لا يرهبون يد الخطو
ب كأنّما هم خلف سور

يمضي النهار و نحن
نحسب ما برحنا في البكور

أبقيت يا زمن الحرو
ر بمهجتي مثل الحرور

ولّت شهور كنت أر
جو أن تخلّد كالدّهور

و أنت شهور بعدها
ساعاتها مثل الشهور

ليست حياة المرء في الد
نيا سوى حلم قصير

و أرى الشباب من الحيا
ة لكاللّباب من القشور

ذهب الربيع ذهابه
و أتى الشّتاء بلا نذير

و تبدّد العشّاق مثل
تبدّد الورق النثير

رضى المهيمن عنهم
و الله يعفو عن كثير