العيون السود - إيليا أبو ماضي

ليت الذي خلق العيون السودا
خلق القلوب الخافقات حديد

لولا نواعسها و لولا سحرها
ما ودّ مالك قلبه لو صيدا

عوّذ فؤادك من نبال لحاظها
أو مت كما شاء الغرام شهيدا

إن أنت أبصرت الجمال و لم تهم
كنت امرءا خشن الطباع ، بليدا

و إذا طلبت مع الصبابة لذّة
فلقد طلبت الضائع الموجودا

يا ويح قلبي إنّه في جانبي
و أظنّه نائي المزار بعيدا

مستوفز شوقا إلى أحبابه
المرء يكره أن يعيش وحيدا

برأ الإله له الضلوع وقاية
و أرته شقوته الضلوع قيودا

فإذ هفا برق المنى و هفا له
هاجت دفائنه عليه رعودا

جشّمته صبرا فلمّا لم يطق
جشّمته التصويب و التصعيدا

لو أستطيع وقيته بطش الهوى
و لو استطاع سلا الهوى محمودا

هي نظرة عرضت فصارت في الحشا
نارا و صار لها الفؤاد وقودا

و الحبّ صوت ، فهو أنّه نائح
طورا و آونة يكون نشيدا

يهب البواغم صدّاحة
فإذا تجنّى أسكت الغرّيدا

ما لي أكلّف مهجتي كتم الأسى
إن طال عهد الجرح صار صديدا

و يلذّ نفسي أن تكون شقيّة
و يلذّ قلبي أن يكون عميدا

إن كنت تدري ما الغرام فداوني
أو لا فخلّ العذل و التفنيدا

...

يا هند قد أفنى المطال تصبّري
و فنيت حتّى ما أخاف مزيدا

ما هذه البيض التي أبصرتها
في لمّتي إلاّ اللّيالي السودا

ما شبت من كبر و لكنّ الذي
حمّلت نفسي حمّلته الفودا

هذا الذي أبلى الشباب وردّه
خلقا وجعّد جبهتي تجعيدا

علمت عيني أن تسحّ دموعها
بالبخل علمت البخيل الجودا

و منعت قلبي أن يقرّ قراره
و لقد يكون على الخطوب جليدا

دلّهتني و حميت جفني غمضه
لا يستطاع مع الهموم هجودا

لا تعجبي أنّ الكواكب سهّد
فأنا الذي علّنتها التسهيدا

أسمعتها وصف الصبابه فانثنت
و كأنّما وطيء الحفاة صرودا

متعثّرات بالظلام كأنّما
حال الظلام أساودا و أسودا

و أنّها عرفت مكانك في الثرى
صارت زواهرها عليك عقودا

أنت التي تنسى الحوائج أهلها
و أخا البيان بيانه المعهودا

ما شمت حسنك إلاّ راعني
فوددت لو رزق الجمال خلودا

و إذا ذكرتك هزّ ذكرك أضلعي
شوقا كما هزّ انسيم بنودا

فحسبت سقط الطلّ ذوب محاجري
لو كان دمع العاشقين نضيدا

و ظننت خافقة الغصون أضالعا
و ثمارهن القانيات كبودا

و أرى خيالك كلّ طرفة ناظر
و من العجائب أن أراه جديدا

و إذا سمعت حكاية من عاشق
عرضا حسبتني الفتى المقصودا

مستيقظ و يظنّ أنّي نائم
يا هند ، قد صار الذهول جمودا

و لقد يكون لي السلوّ عن الهوى
لكنّما خلق المحبّ ودودا