لمن الديار؟ - إيليا أبو ماضي

لمن الدّيار تنوح فيها الشمأل
ما مات أهلوها ولم يترّحلوا

ماذا عراها، ما دها سكّانها
يا ليت شعري كيلوا أم قتلوا؟

مثّلتها فتمثّلت في خاطري
دمنا لغير الفكر لا تتمثّل

تمشي الصّبا منها برسم دارس
لا ركز فيه كأنّما هي هوجل

وإذا تأمّل زائر آثارها
شخصت إليه كأنّها تتأمّل

أصبحت أندب أسدها وظباءها
ولطالما أبصرتني أتعزّل

أيّام أمطر في الحمى متهللا
وأرى الدّيار كأنّها تنهلّل

وأروح في ظلّ الشّباب وأغتدي
جذلان لا أشكو ولا أتعلّل

إذ كلّ طير صادح مترنم
إذ كلّ غصن يانع متهدّل

والأرض كاسية رداء أخضرا
فكأنّها ديباجة أو مخمل

يجري بها، فوق الجمان من الحصى
بين الزّبرجد والعقيق ، الجدول

والزّهر في الجّنّات فيّاح الشّذا
بندى الصّباح متوّج ومكلّل

والشّمس مشرقة يلوح شعاعها
خلل الغصون، كما تلوح الأنصل

والظّلّ ممدود على جنباتها
والماء مغمور به المخضوضل

للّه كيف تبدّلت آياتها
من كان يحسب أنّها تتبدّل؟..

زحف الجراد بقّضّه وقضيضه
سير الغمام إذا زفته الشمأل

حجب السّماء عن النّواظر والثّرى
فكأنّه اللّيل البهيم الأليل

من كلّ طيّار أرقّ جناحه
لفح الحرور وطول ما ينتقل

عجل إلى غاياته مستوفز
أبدا يشدّ العجز منه الكلكل

خشن الاهاب كأنّه في جوشن
وكأنّما في كلّ عضو منجل

وكأنّما حلق الدّروع عيونه
وكأنّهنّ شواخصا تتخيّل

مصقولة صقل الزّجاج يخالها
في معزل عن جسمه ، المستقيل

ومن العجائب مع صفاء أديمها
ما إن ترفّ كأنّما هي جندل

ضيف أخف على الهواء من الهوا
لكنّه في الأرض منها أثقل

ملأ المسارح والمطارح والرّبى
فإذا خطت فعليه تخطو الأرجل

حصد الّذي زرع الشّيوخ لنسلهم
وقضى على القطّان أن يتحوّلوا

ما ثمّ من فنن إلى اوراقه
يأوي ؛إذا اشتد الهجير ، البلبل

وإذا القضاء رمى البلاد ببؤسه
جف السّحاب بها رجف المنهل

وقع الّذي كنّا نخاف وقوعه
فعللى المنازل وحشة لا ترحل

أشتاق لو أدري بحالة أهلها
فإذا عرفت وددت أني أجهل

لم تبق أرجال الدّبى في أرضهم
ما يستظلّ به ولا ما يؤكل

أمست سماوهم بغير كواكب
ولقد تكون كأنّها لا تأفل

يمشون في نور الضّحى وكأّنهم
في جنح ليل حالك لا ينصل

فإذا اضمحك النّور واعتكر الدّجى
فالخوف يعلو بالصّدور ويسفل

يتوسّلون إلى الظّلوم وطالما
كان الظّلّوم إليهم يتوسّل

أمسى الدّخيل كأنّه ربّ الحمى
وابن البلاد كأنّه متطفّل

يفضي، فهذا في السّجون مغيب
رهن، وهذا بالحديد مكبّل

ويرى الجمال كأنّما هو لايرى
ويرى العيوب كأنّما هو أحول

حال أشدّ على النّفوس من الرّدى
الصّاب شهد عندها والحنطل

مالي أنوح على البلاد كأنّما
في كلّ أرض لي أخ أو منزل

يا ليت كفا أضرمت هذي الوغى
يبست أناملها وشلّ المفصل

تتحوّل الأفلاك عن دورانها
والشّرّ في الإنسان لا يتحوّل

ما زال حتّى هاجها من هاجها
حربا يشيب لها الرّضيع المحول

فالشّرق مر تعد الفرائض جازع
والغرب من وقعاتها متزلزل

والأرض بالجرد الصّواهل والقنا
ملأى تجيش كما تجيش المرجل

والطّود آفات تلوح وتختفي
والسّهل أرصاد تجيء وتقفل

والجوّ بالنّقع المثار ملثّم
والبحر بالسّفن الدّوارع مثقل

في كل منفرج الجوانب جحفل
لجبّ ينازعه عليه جحفل

مات الحنان فكلّ شيء قاتل
وهما القضاء فكلّ عضو مقتل

فمعقّر بثيابه متكفّن
ومجرح بدمائه متسربل

كم ناكص عن مأزق خوف الرّدى
طلع الرّدى من خلفه يتصلصل

شقي الجميع بها وعزّ ثلاثة
ذئب الفلاة ونسرها والأجدل

حامت على الأشلاء في ساخاتها
فرقا تعلّ من الدّماء وتنهل

لهفي على الآباء كيف تطوحوا
لهفي على الشّبان كيف تجندلوا

حرب جناها كلّ عات غاشم
وجنى مرارتها الضّعيف الأعزل

ما للضّعيف مع القوي مكانة
إنّ القويّ هو الأحبّ الأفضل

تتّنصل السّواس من تبعاتها
إنّ البريء الذّيل لا يتنصّل

قد كان قتل النّفس شرّ جريمة
واليوم يقتل كلّ من لا يقتل

والمالكون على الخلائق ، عدلهم
جور، فكيف إذا هم لم يعدلو

كتبوا بمسفوك النّجيع نعوتهم
قول الملوك لهم : جنود بسّل

يا شرّ آفات الزّمان المنقضي
لا جاءنا فيك الزّمان المقبل