قتل نفسه - إيليا أبو ماضي

تأمّل في أمسه الدابر
فكاد يجنّ من الحاضر

أهاج التذكّر أشجانه
و كم للسعادة من ذاكر .

فتى كان أنعم من جاهل
فأصبح أتعس من شاعر

أضاع الغنى و أضاع الصحاب
و ربّ مريض بلا زائر

و يا طالما أحدقوا بالفتى
كما تحدق الجند بالظافر

فلما انقضى مجده أعرضوا
و ما الناس إلا مع القادر

و ما الناس إلا عبيد القوي
فكن ذاك أو كن بلا شاكر

أشدّ من الدهر مكرا بنوه
فويل لمن ليس بالماكر

فكن بينهم خاتلا غادرا
و لا تشتك الغدر من غادر

تعيس تعانقه النائبات
عناق الحبائل للطائر

كثير الهموم بلا ناصر
كسير الفؤاد بلا جابر

قضى ليله ساهيا ساهرا
إلى كوكب مثله ساهر

يفتّش عن آفل في الثّرى
و ما كان في الأفق بالسافر

و تالله يجدي فتى بائسا
كلام المنجّم و الساحر

و لمّا تولّت دراري السماء
و غاب الهلال عن الناظر

بكى ، ثمّ صاح أحتّى النجوم
تصدّ عن الرجل العاثر ؟

إلى م أعاند هذا الزمان
عناد السفينة للزاجر

و أدعو و ما ثمّ من سامع ،
و أشكو ، و لكن إلى ساخر

و أرجو الوفاء و تأبى النفوس
و أنّى الولادة للعاقر

سئمت الحياة فليت الحمام
يعيد إلى أصله سائري

فتنطلق النّفس من سجنها
و يسجن تحت الثّرى ظاهري

وزاد سواد الدّجى يأسه
وقد كاد يسفر عن باهر

فشاء التخلّص من دهره
الخؤون ، و من عيشه الحازر

فأغمد في صدره مديه
أشدّ مضاء من الباتر

و كم مثله قد قضى نحبه
شهيد التّأمل في الغابر