موت العبقري - إيليا أبو ماضي

في رثاء العلامة المرحوم سليمان البستاني

كلّ ميت مهما علا في حياتة
كلّ ثاو تحت الثرى من لداته

لا حدود ولا مقاييس في الموت
تساوى الجميع في ساحاتة

حاصد حقله الوجود ، وما الأحياء
إلاّ كشوكة ونباته

من نجا منه وهو في روحاته
إنما قد نجا إلى غدواته

ليس زرع الغصّات منه الثأر
ليس حصد اللذات من لذّاته

إنه يسلب الغواية كالرشد،
فليس التمييز من عاداته

لا تقل : ما وراؤه؟ ذاك سر
خبأته الحياة في ظلماته

ربّ قبر نمشي عليه وفيه
شهوات تربي على ذراته

كلّ ذي رغبة دنت أو تسامت
سوف يمضي يوما بلا رغباته

ليس عمر الفتى وإن طال إلاّ
ما حوته الحياة من مكرماته

يعظ النابغ الخلائق حيّا
إنما موته أجلّ عظاته

ظهر الموت للعيون جديدا
أمس في بطشه وفي فتكاته

وهو ترب الإنسان منذ استوى في الأرض حيا مشى على خطواته

ما الردى بالحديث في الناس لكن
نكتة العلم ضاعفت روعاته

فقد الخلق واحدا من بيته
وأضاع القريض خير حماته

شاعر، كان يرقض الدهر أحيانا ،
ويبكي حينا على نغماته

ذهب الساحرون والسحر باق
في عيون المهى وفي كلماته

منشىء رقّ لفظه كسجاياه
ورقّ الجمال في جنباته

توّج ((الضاد)) بالملاحة حتى
خالها القوم بعض مخترعاته

نقل الأعصر الخوالي إلينا
في كتاب ، للّه من معجزاته

فرأينا ((هومير)) ينشد فينا
شعره مثل واحد من رواته

كان في دولة السيوف وزيرا
أبمعيا، ودولة في ذاته

ما بكينا الرفات لّما بكينا
كم رفات في الأرض مثل رفاته

بل بكينا لأننا قد حرمنا
بالمنون المزيد من آياته

راعنا أنّ يزول عنّا ، وإنّا
لم نطق أن نطيل حبل حياته

قد أردنا حمل البشائر للعلم
فكنّا لأهله من نعاته

إنّ في ((مصر)) و((الشآم)) دويّا
ما سمعنا قبل يوم وفاته

وأحسّ ((العراق)) حين أتاه
النعي طعم الرّدى بماء ((فراته))

و((بلبنان)) رجفة تتمشى
في ينابيعه وفي نسماته

فتّح الموت حين أغمض عينيه
عيون الورى على حسناته

فهو ماض له جلاله آت
من فتوحاته ومن غزواته

والفتى العبقريّ يولد إذ يولد
في مهده، ويوم مماته