لِمَن يا ترى أَشكو بِمَدمَعيَ الهملِ - الياس أبو شبكة

لِمَن يا ترى أَشكو بِمَدمَعيَ الهملِ
وَما ليَ في لُبنانَ من مخلِصٍ خِلِّ

لَقَد كانَ لي فَضلٌ عَلى كُلِّ صاحِبٍ
فَأَنكر صحبي كلَّ ما كان من فَضلي

أَأَشكو إِلى القانون غَدرَ مَعاشِري
وَقد أَصبَحَ القانونُ يوطِأ بِالرِجلِ

غداةَ طَلَبتُ النورَ أَنكَرَني الملا
وَلَمّا اِدَّرعتُ الصِدقَ أَنكَرَني أَهلي

تمرَّدَ فَردٌ من بِلاديَ مرَّةً
وَصَوَّبَ نَحوي نبلَتين من العذلِ

لِأَنّي لا أَمشي عَلى نَهجِ جاهِلٍ
يَسيرُ شَموخَ الأَنفِ في ظُلمَةِ الجَهلِ

وَلَو كانَ ذا عَقلٍ يُقارِنُه الوَفا
لما حكَّم الجَهلَ المُغرّر بِالعَقلِ

وَلكِن تَعامى عَن هداهُ لِأَنَّهُ
أُصيبَ من الدُنيا بمسٍّ من الخَبلِ

رَأَيتُ فَتاةً أَمسِ يَربطني بِها
غَرامٌ نَما في الصَدر مجتَمِع الشَملِ

لَها في لماها العذبِ بَسمَةُ طاهِرٍ
تُنيرُ دُجى الظَلماءِ من شِعرِها الجَثلِ

فَقُلتُ لها إِنّي عَلى الوُدِّ قائِمٌ
وَلكِن بُعادي سَوف يُخني عَلى الوَصلِ

فَإِنّي سَأَنأى عَن بِلادي مُسافِراً
فَلَستُ أَطيقُ الظُلمَ في البَلَدِ المحلِ

رَأَيتُ هنا رَهطاً من الناسِ آثَروا
يدَ الظُلمِ أَن تَعلو وَتفتك بِالعَدلِ

رَأَيتَهُم وَالقَيدُ حَول رِقابِهِم
وَأَيديهِم مَشدودَة الرَبطِ بِالغُلِّ

يَقودُهم مِن سافِل الخَلقِ زُمرَة
تُحاوِل نَفثَ السَمِّ فيهِم كَالصَلِّ

تَبثُّ من الأَغراضِ فيهِم مبادئاً
أَشدَّ بِجِسم الإِجتِماعِ من السلِّ

تُريدُهُم عُمياً عَن النورِ وَالدُجى
يُخَيّشمُ فَوقَ الحَقِّ سَدلاً عَلى سَدلِ

وَتَهزَأُ بِالشَخصِ الَّذي لَم يُصخ لَها
وَلكِن سَوادُ الهَدبِ أَبقى مِن الكَحلِ

فَقالَت كُن الحَق المُحَرَّرَ في الوَرى
وَدع حَشَراتِ الأَرضِ تَزحفُ في الوَحلِ

فَما أَنتَ مِمَّن يُثبطُ الهَمُّ سَعيَهُ
وَثابِر عَلى كَشفِ الظَلامِ بِلا مَطلِ

وُجودُك في الدُنيا لِتَخدمَ مبدءاً
فَلا تَبنِهِ إِن كُنتَ شَهماً عَلى الرَملِ

وَأَملِ تَعاليمَ الحَياةِ عَلى المَلا
فَإِنَّ يَدَ الأَجيالِ تَكتُبُ ما تَملي

وَلا تَستَرقَّ النَفسَ من أَجل بَغيَةٍ
وَدس حَشراتِ المُستَبِدّينَ بِالنَعلِ

فَمَن يَستبح هضمَ الحُقوقِ لِغايَةٍ
فَذلِكَ أَولى بِالحَقارَةِ وَالرَذلِ

وَأَسد مَع الأَحرارِ أُغنيَّةَ العَلى
فَما الحُرُّ إِلّا بُلبُلُ المَجدِ وَالنُبلِ

وَما الحرُّ إِلّا ذلِكَ العامِلُ الَّذي
تَمَشّى عَلى هامِ العبودَةِ وَالذُلِّ

هو الحُرُّ رَمزُ الحَقِّ رَمزُ فَضيلَةٍ
تَسيرُ مَع الأَجيالِ في الشَرَفِ المُعلي

أَذابَ عَلى جَمرِ الحَياةِ دِماغَه
وَصيَّرَه زيتاً ينّور في السبلِ

تَقولُ ابنةُ الأَجيالِ وَهيض مطلَّةٌ
من الهَيكَلِ الأَسمى عَلى عالَمِ النَسلِ

تُرى مَن رَأى قَبلي الوجودَ مهدّماً
وَمن ذا رَأى الأَحرارَ بانِيَةً قَبلي

هنا سَكَنت تِلكَ الفَتاةُ وحدَّقَت
إِلى المَلا الأَعلى بِأَعيُنِها النُجلِ

وَمن ثَغرِها نورُ المساواةِ مشرقٌ
يفسِّر أَنَّ الملك في خلقِهِ مثلي

وَحريَّة قَد أَشرَقَت من جَبينِها
وَرَمزُ إِخاءٍ وَالسَلامُ على الكُلِّ