بلوتُ الحَياةَ فَما مِن أَنيسٍ - الياس أبو شبكة

بلوتُ الحَياةَ فَما مِن أَنيسٍ
يُؤآسي هُمومي وَما من صديقِ

تَقولُ ليَ وَإِمّا رَأَتني
مجدّاً تَقف عَثرةً في طَريقي

فَيا ربِّ أَطفىء سراجَ شُعوري
لِأَصبحَ ذا بَصرٍ مُستَفيقِ

وَأَخرس بِصَدري الشَبابَ فَإِنّي
أَوَدُّ اِستِماعَ فُؤادي الحَقيقي

لَقَد طالَ عَهديَ بِالظُلُماتِ
وَلم أَستَنِر بِسِوى الظُلُماتِ

كَأَنَّ الدُجى مَشعَلٌ في فُؤادي
تَزيّتُه بِالشَقاءِ الحَياةُ

فَما الزَهراتُ أَمام عُيوني
سِوى ذِكرَيات الهَوى الماضِيات

تمُرُّ بِمشهدِها المُستَحَبِّ
وَتذبلُ كَالأَزهَر الذابِلات

أُقَضّي لَيالِيَّ في مخدعٍ
بَكى والدي حَظَّه فيهِ قَبلي

فَكَم زارَني فيهِ من زائِرٍ
وَأَبصَرَني بِالدُموعِ أُصَلّي

نَشَأتُ تَشفّ بيَ الحسراتُ
فَتضوي فُؤادي الكَئيبَ وَتُبلي

تَمرَّد كلُّ غَريبٍ عَلَيَّ
وَلما كَبِرتُ تَمَرَّد أَهلي

أَرى اللَيلَ يَفتَحُ إيوانَهُ
لِيَستَقبلَ الأَجفنَ النائِمَه

وَنَفسيَ هائِمَةٌ في فَضاءٍ
تَخوَّفَ من نَفسِيَ الهائِمَه

فَيا مَن لهُ الأَعيُنُ الباسِماتُ
أَنِرني بِأَعيُنِكَ الباسِمَه

تَعالَ وَأَغمِض ذبولَ جُفوني
بِأَنمُلِكَ البَضَّةِ الناعِمَه

تَعالَ إِلَيَّ فَقَد سَكَتَ الطَيرُ
وَاللَيلُ مُنسَدِلٌ فَوقَ عشِّه

وَقَد نامَ فَلّاح تِلكَ الحقول
وَفي جَنبِهِ ما جَناهُ برفشِه

فَكم ملكٍ أَيُّها اللَيلُ يَبكي
أَمام جلالِكَ فَقدانَ عرشِه

وَكم بائِسٍ ظَلَمته الحَياةُ
يَخالُ سوادَكَ ظلمَةَ نَعشِه

تَعالَ وَأَنشِد عَلى مَسمَعي
أَغاني الهَوى بِلُغاتِ الخُلود

وَخُذ ذِكرَياتي إِلى إِلى عالَمٍ
يَطيبُ لِروحيَ فيهِ السُجودِ

فَهذي الحَياةُ ثَمالَةُ كَأسٍ
سَقاها رَجيمُ الرَدى لِلوُجودِ

فَدَعني أُنلها بَقايا جمادي
لِتمتَصَّها حَشَراتُ اللحود

تَعالَ فَإِنَّ دَقائِقَ عمري
تَمُرُّ عَلى مُهجَتي راحِلَه

وَقَد حَمَلت ليد اللانهايَةِ
أَكياسَ آماليَ الزائِلَه

غَداً إِن رَأَيتَ خَيالَ الحِمامِ
يَمُرُّ عَلى وَجنَتي الناحِلَه

تَعالَ وَضع قبلاتِ الوَفاءِ
عَلى شفةِ المائِتِ الذابِلَه

وَفي الغَدِ حينَ تمرُّ السنونُ
حَيارى عَلى خَدِّكَ الناعِمِ

وَتَنزِعُ عَنهُ سناءَ الجَمالِ
وَيَبقى سنا روحِكَ الدائِمِ

سَتذكُرُني ملقِياً هامَتي
بِعَطفٍ عَلى صَدرِكَ النائِمِ

وَأُسمِعُكَ الشِعرَ عَذباً طَرِيّا
كَسِحرٍ بِمرشفِكَ الباسِمِ

فَيا مَن ظَهَرتَ لريّقِ قَلبِيَ
في عالَمٍ مقفِرٍ منتنِ

وَأَشعَلتَ في لَيليَ المكفهرِّ
مشاعِلَ حُبِّكَ في أَعيُني

وَقُلتَ لِقَلبِيَ كُن عاشِقاً
فَكانَ وَفاضَ من الأَجفُنِ

تَعالَ إِلَيَّ وَلامس فُؤادي
وَلا تَخشَ من جرحِيَ المُزمِنِ