مَغناكِ مُلتَهِبٌ وَكَأسُكِ مُترَعه - الياس أبو شبكة

مَغناكِ مُلتَهِبٌ وَكَأسُكِ مُترَعه
فَاِسقي أَباكِ الخَمر وَاِضطَجِعي مَعَه

لَم تُبقِ في شَفَتَيكِ لذاتُ الدِما
ما تَذكُرينَ بِهِ حَليبَ المرضعه

قومي اِدخُلي يا بنتُ لوط عَلى الخنى
وَاِزني فَإِنَّ أَباكِ مهّدَ مَضجَعَه

إِن تُرجِعي دَمك الشَهِيِّ لِنَبعَه
كَم جَدوَلٍ في الأَرضِ راجِع مَنبَعَه

لا تَعبَأي بِعِقاب رَبِّكِ إِنَّهُ
جُرثومَةٌ من نارِكِ المُتَدَفِّعَه

في صَدرِكِ المَحمومِ كِبريتٌ إِذا
لَعِبَت بِهِ الشَهَواتُ فَجَّر أَضلُعُه

فَبِكُلِّ صَقعٍ مِن ضُلوعِك قِسمَة
خِلَعٌ عَلى لَهَب الشَبابِ موزَّعَه

إيه سدومُ بُعثتِ مِن خَلِلِ اللظى
حَمراءَ في شَهَواتِكِ المُتَسَرِّعَه

في كُلِّ جيلٍ مِن لَهيبِكِ سُنَّة
سَكرى محطَّمَة عَلَيهِ مُخَلَّعَه

عَقَبت بيَ الذِكرى إِلَيكِ فَأَشعَلَت
قَلبي وَأَجفاني رُؤاكِ الموجِعَه

شاهَدت مِن خَلَلِ اللَهيبِ حَدائِقاً
كانَت نَواضِرَ في الفُصولِ الأَربَعَة

نَشَقَت مِن الفِردَوسِ عبقَة سِحرهِ
وَمن السَماءِ طُيوبِها المُتَضَوِّعه

خَضراءَ طاهِرَة الغراس كَأَنَّها
بِصَفاءِ عَدنٍ لا تَزالُ مُبَرقَعَه

وَكَأَنَّ مِن تَكفيرِ آدم نَفحَةً
فيها وَمن صَلَواتِ حَواءٍ دِعه

وَرَأَيتُ غَدراناً مَراضِع تُربَة
بِأَجِنَّة الزهر النَدِيِّ مرصَّعَه

وَمراوِح الفَجرِ الجَميلِ عَلى الذَرى
يَلقى عَلَيها كُلَّ طيرٍ مخدَعَه

وَرَأَيتُ حوراً في شُفوفِ زَنابِق
بَيضاء من لَبَن الجنان مُشَبَّعَه

نَفخ الصِبا بنُهودِها فَتَكَوَّرَت
وَتَبَسَّمَت عَن وَردَةٍ مُتَرَفِّعَه

ماذا فَعَلتِ سُدومُ أَينَ جَواذِبٌ
كانَت عَلى تِلكَ الخُدورِ مجمَّعَه

فيمَ اِستَحالَ لُبانُكِ النامي إِلى
خَمر بكاساتِ الفجورِ مُشَعشَعَة

ذَوَّبَت خَمرِكِ لا لِيُصبِح طاهِراً
لكِن لِيَستَهوي النُفوسَ فَتَجرَعَه

وَجَعَلتِ غَرغَرَةَ الأَفاعي كَأسَه
لِيَذوقَ مِنها كُلَّ قَلبٍ مَصرَعَه

سَكَرَت بِكِ الدُنيا سدومُ فَكلَّها
زمرٌ عَلى طرق الحَياةِ مُتَعتَعه

وَأَثرَتِ حُنجُرَة الفجور فَأَطلَقَت
حِمَماً عَلى نَغَمِ الجَحيمِ مُوَقَّعَه

أَغنيَّة حَمراء أَنشَدَها الخنى
مِزَقاً عَلى أَوتارِكِ المُتَقَطِّعَه

أَسدومَ هذا العَصر لَن تَتَحَجَّبي
فَبِوَجهِ أمكِ ما بَرِحَتِ مُقَنَّعَه

كانَت مُنَكَّرَة كَوَجهِكِ عِندَما
هَبَّت عَلَيها مِن جَهَنَّم زَوبَعَه

قَذفتك صحراءُ الزِنى بِحَضارَة
ثَكلى مُشَوَّهَةِ الوُجوهِ مُفَجَّعَه

بُؤرٌ مُسَتَّرَة الفَسادِ بخدعة
نَكراءَ بِالخَزِّ الشَهِيِّ مُرَقَّعَه