سَجَدتُ في هَيكَل الأَماني - الياس أبو شبكة

سَجَدتُ في هَيكَل الأَماني
مُضَعضَعَ العَقلَ وَالجَنانِ

في لَيلَةٍ لَم تُبن شِهاباً
إِلّا أَراشَت سَهماً رَماني

وَقُلتُ لِلمَجدِ وَهو طَيفٌ
لَم أَرَهُ بَعدُ في مَكانِ

إِنَّ أَمامي طَريقَ نَفسي
وَليَهدِني مِنكَ نيِّرانِ

إِذا بِصَوتٍ كَالهَمسِ أَلقى
في مَسمَعي هذِه المَعاني

أَنا خَفيٌّ كَالسِرِّ أَو كَال
هلاكِ أَنقضُّ في ثَوانِ

أَظهَرُ في ساعَة الطعان
بَين ضَبابٍ منَ الدُخّانِ

وَلا يَنالُ الخلودَ مِنّي
إِلّا فُؤادُ الَّذي يَراني

فَما لهاثي إِلّا ضرامٌ
يَدُبُّ في عُنصرِ الزَمانِ

فَلا يَغُرَّنَّكَ اِبتِسامي
فَتَحتَ جَفنيَّ هَوَّتانِ

سَكَبتُ في أَعيُنِ المُعَرّي
زَيتَ النُبُوّاتِ من عُيوني

وَقُلتُ لِلناصِريِّ طَهِّر
ذُنوبَهُم بِالدَمِ الثَمينِ

قُلتُ لِقَيسٍ عَشيقِ لَيلى
أَنشِد وَمُت رافِعَ الجَبينِ

قُلتُ لِليَنين نَم قَريراً
أَنتَ نَبِيٌّ بَعدَ قُرونِ

الصَمتُ في قدسِهِ صَلاتي
وَموحِياتُ الآلامِ ديني

لا يَرتَقي سُلَّمي ضَعيفٌ
أَنا لِبأسٍ لَستُ لِلينِ

مَقالدي الصَبرُ وَالتَأَنّي
وَشِدَّةُ العَزمِ في الشُؤونِ

أَحمِلُ في مُقلَتي عَذاباً
وَشُعلَة النارِ في جَبيني

الشَيخُ مِثلُ الفَتيِّ عِندي
مَن يَسعَ تُفتَح لهُ يَميني

لَمّا أُعَيِّن وَقتَ حُضوري
فَبعدَ حينٍ أَو قَبلَ حينِ

البَعضُ ماتوا تَحتَ ذِراعي
أَمام مِصباحيَ المُنيرِ

وَالبَعضُ ماتوا مُذ جِئتُ حَتّى
أُلقي عَلى رَأسِهِم زُهوري

المَوتُ في مَجدِهِ شِعاري
وَنافِخٌ في الدُجى نَفيري

فَقُبلَةُ الخُلدِ لَم أَضَعها
إِلّا عَلى حافَةِ القُبورِ

مَن يَطلُبُ المَجدَ في حَياةٍ
فَليَشتَرِ المَجدَ بِالزَفيرِ

أَنا هزار في اللَيلِ أَشدو
لَحني عَلى مَسمَح الدهورِ

يَسمعني المَوتُ في دُجاهُ
وَهوَ يُماشي خُطى العصورِ

أَشرَبُ من أَدمُعٍ عذارى
وَمن دماء القَلبِ الكَبيرِ

وَلَستُ أُحيي ذِكراً مُجيداً
لِذي نُبوغٍ وَذي ضَميرِ

إِلّا إِذا ما اِفتَرَستُ قَلباً
يَكون أَقوى من النُسورِ