يا مصر لو تقدر الأقدار بالكرم - جبران خليل جبران

يا مصر لو تقدر الأقدار بالكرم
لكنت سابقة الأمصار والأمم

إني أرى منك آيات تحقق لي
أن الندى سيد الخلاق والشيم

وأنه شمم خاف يعز به
على الغزاة وما يبدون من شمم

أبكاك من رقة خطب به صمم
عمن شكا ولبئس الخطب ذو الصمم

دهى دمشق بنار منه هاتكة
نهاشة اللسن للأعراض والحرم

سطت علىم وضع الأرزقا ما تركت
منها سوى كل عاف تحت منهدم

تشبو الغوطة الفيحاء ضاحكة
حيالها ضحك المرزوء باللمم

يهدي زمردها أنوار نضرته
إلى سعير كذوب التبر محتدم

وحولها السبعة الأنهار جارية
من غير جدوى بذاك المدمع الشبم

نكاية الدهر لا يفنى لها لعب
بالناس تلعبه في اللهو والألم

أشقت دمشق التي تدرون ندتها
إذ يبتغيها جلال الملك من قدم

وغذ بنوها هم الآساد إن وردوا
موارد الحرب والجواد في السلم

زهر مآثرهم زهر مفاخرهم
فيمجتلى الحلم أو في مجتنى الحكم

خلال بأس وآداب ومكرمة
آثارها الغر في العقاب لم ترم

لله من نكبوا في دورهم فأوى
وسادهم بعد أن بادت إلى الظلم

لا مطفيء بردى حرا بأنفسهم
ولا معين على الطاغي من الضرم

لكن تداركهم من فضلكم عمم
يأسو جراحات ذاك الكارث العمم

فبارك الله في هذي الوجوه وفي
هذي القلوب وما أسدت من النعم