أَحنَنتَ لِلأَوطانِ مُنجَذِباً لَنا - خليل الخوري

أَحنَنتَ لِلأَوطانِ مُنجَذِباً لَنا
أَم أَنتَ لاهٍ حَيثُما تَجد المُنى

هَل تَذكُرنَّ الشَرق يا بَدرَ الحِما
أَم أَنتَ راضٍ بِالمَغارِبِ مَوطِنا

اَرغَبتَ أَرض الانكليز لِأَنَّها
أَرض المَلائكِ في مَرابِعِها الهَنا

أَم أَنتَ بِالآدابِ مُشتَغِلٌ بِها
تَلقى مِن العَصرِ الجَديد الأَحسَنا

هَل تَسمَعنَّ صَدىً لبَيرُنَ في رُبى
تِلكَ البِلادِ بَعيد تِلكَ الأَلحنا

هَل لَم يَزَل فَوقَ المُحيطِ ضَجيجُهُ
كَالرَعدِ يَدوي في الفَضاء مُطَنطِنا

نادى بِأَصواتِ الغَرام وَلَم يَقُل
الحُبّ ما مَنَعَ الكَلامَ الأَلسُنا

أَم أَنتَ تَبحَث في المرابع كَي تَرى
لِخَيالِ مِلتُنَ في المَعالم مَسكَنا

هَل يَذكُرون عُيونَهُ العَميا الَّتي
قَد طالَما أَهدَت بِلادَهُمُ السَنى

تَرَكوهُ في النِسيانِ يَخبط نادِباً
فَردوسَهُ المَفقودَ مِن بَعدِ الجَنى

لَكنَّ ذا الفَردوسَ خُلِّدَ بَعدَهُ
وَغَدا فَخارُهُم بِهِ مُتَمَكِنا

أَم تَطلبنَّ عُلومَ نيتُنَ أَنَّهُ
كُشِفَ الغِطاءَ كَما أَنارَ الأَعيُنا

أَم أَنتَ تَنظُر لِلمَعاصرِ ذي الذَكا
ذاكَ المُهاجر حَيثَما وَجدَ الهَنا

أَعني بِهِ ويكتور هيكو أَنَّهُ
في العَصر أَصبَحَ لِلبَلاغَةِ مَعدَنا

رامَ التَخَلُص مِن مُزاحَمَةِ المَلا
حُرّاً لِذا اِتَخَذَ الجَزيرَةَ مَأمَنا

وَرَأى أَيادي الدَهر لا تَبقى سِوى
فعل الجَميل فَقامَ فيها مُحسِنا

هَذا الأَديب البارع الفَرد الَّذي
خَضَعتَ لَهُ الشُعَراء تَهديهِ الثَنا

قَد أَشغَلَ الدُنيا لِسانُ يَراعِهِ
يَملي الفُوائِدَ وَالشَواردَ مُتقَنا

إِن أَسمهُ الرنان في الدُنيا عَلى
رَغم الحَسود مِن الخُلودِ تَمَكَنا

هَل تَسمَعنَّ عَلى الجوارِ بِمقربٍ
مِنهُ أَغانيهِ فَيَطرِبُكَ الغِنا

أَم أَنتَ تَسمعَهُ الغداةَ مُناجياً
يَروي الغَرائبَ لِلرَشادِ مُبَينا

أَسلافَةَ اللُطفِ الَّتي قَد طالَما
سكرت بِها الأَلبابُ تَظفرُ بِالمُنى

لَكَ يا سَليم شَمائِلٌ مَحمودَةٌ
يَشفي بِرقَّتِها العَليلُ مِن الضَنى

قَد لحتَ غُصناً بِالقطانَةِ مُزهِراً
وَطَلعتَ بَدراً بِالكَمال مُزَينا

هَل أَنتَ أَنتَ عَلى الوِدادِ عَلى الوَفا
بَعدَ البُعاد عَلى الوَلا فَأَنا أَنا

حفظ الزَمان مَحَبَةً بِقُلوبِنا
نَشَأَت وَعَتقها فَزَيَنَها لَنا

كَالراح عتَّقها الزَمان فَأَصبَحَت
شَهباء صافيَةً تَشعشع بِالأَنا

وَبَنى الوَفا حصن المَوَدة في الحَشى
أَتظنّ أَنَّ الدَهرَ يَهدِمُ ما بَنى

قُل لِلمُحيط بانَ حَول حَشاشَتي
بَحرٌ مِن الشَوقِ المُحيطِ تَمَكَّنا

وَاحيِ الرِفاقَ بِعودِ لُطفِكَ لِلحِما
إِن الفُراقَ أَذاقَ قَلبَهُمُ العَنا