بِفَيض فَضلِكَ يَحيى العلمُ وَالأَدَبُ - خليل الخوري

بِفَيض فَضلِكَ يَحيى العلمُ وَالأَدَبُ
وَبِإِسمكَ اليَوم أَضحتَ تَفخرُ الكُتُبُ

فَمِن سَنى فَكرِكَ التَهذيبُ مُنتَشِرٌ
وَمِن ضَيا فَهمِكَ الإِرشادُ مُنسَكِبُ

يا أَيُّها الكَوكَبُ العالي الَّذي رَقَصت
لَهُ المَعالي وَخَرَّت دونَهُ الشُهُبُ

ما زالَ يَكسبُ مِنَ الشَرقُ رَونَقَهُ
حَتّى إِنجَلى وَاِنجَلَت عَن وَجهِهِ السُحُبُ

لَو لَم يَكُن رَشف الأَفراح مِنكَ لَما
أَهدى الصَباح ضَحوكاً وَهُوَ يَلتَهِبُ

يا صَدر دَولَتِنا الفَرد الَّذي سَطَعَت
أَنوارُ حَكمَتِهِ في الكَونِ تَنسَكِبُ

أَبصارُنا مَحدقاتٌ فيكَ شاخِصَةٌ
إِلَيكَ تَنظُرُ مَعنى كُلهُ عَجَبُ

قُلوبَنا بِحِما عَلياكَ لائِذَةٌ
سَلَبتَها فَسرت بِالطَوعِ تَنسَلِبُ

أَنتَ الأَمينُ عَلى الدُنيا فَكَيفَ غَدَت
بِلُطفِكَ الساحر الأَرواحُ تَنتَهِبُ

عَلَيكَ آمالُ أَهل الأَرضِ دائِرَةٌ
وَأَنتَ تَحيي رَجاها أَيُّها القُطُبُ

غَنَّت بِمَدحك اَفواهُ العِبادِ كَما
رَنَّت بِأَوصافِكَ الأَشعارُ وَالخُطبُ

أَنتَ البَليغُ الَّذي أَلفاظُهُ دُرَرٌ
تَهدى فَتحفظها في جيدِها الحِقَبُ

لَقَد رَأَيتَ لِلآداب خَير حِماً
تَهدي القَريض فَخاراً مِنكَ يَكتَسِبُ

فَجئتُ أَهديكَ مِن رَوضاتِهِ ثَمَراً
إِذا نَظَرتَ إِلَيهِ يَحصل الأَرَبُ

هُوَ الكِتابُ الَّذي قَدَمتهُ سَنَداً
عَلى التَعلُقِ مثل العَهدِ يُكتَتَبُ

شَرَّفتهُ بِاسمكَ العالي فَكانَ لَهُ
هَذا السَميرُ الأَمينُ الأنَ يَنتَسِبُ

يَرجو القُبول فَقَد وافى عَلى خَجَلٍ
يَرى المَهابَةَ تَعلوهُ فَيَضطَرِبُ

ما لِلغُرابِ عَلى الأَطلالِ قَد نَعبا
صُبحاً فَأَحَّجَ في أَحشائِنا اللَهَبا

نَعى فَقُلنا لَهُ المَوت المُريع تَرى
سَطا فَقالَ نَعَم قَد صالَ وَأَحرَبا

حَمامَةٌ في رِياضِ الأُنس آمِنَةٌ
أَراعَها ثُمَ شاءَ القَنصَ فَاغِتَصَبا

لَكِنَّها مانَعَتهُ وَهُوَ مُندَهِشٌ
بِما أَصابَ فَرامَ الحِرصَ فَاِنغَلَبا

قَد هالَهُ تاجُ نورٍ وَهُوَ مُنَحَدِرٌ
عَلى قَنيصَتِهِ الغَراءِ فَاِضطَربا

فَاِستَخلَصت مِن يَديهِ وَهِيَ باسِمَةٌ
تَعلو لِرَوضٍ أَنيقِ في العُلى خَصبا

فَما نَعبتُ عَلَيها أَنَّها سَعدت
لَكن بَكيتُ لِمَن في بُعدِها اِنتَكَبا

فَتى أَرَقُّ مِن الماءِ الزُلالِ عَلى
قَلبِ الجَريح دَهاهُ البينُ فَالتَهَبا

غُصنٌ زَها يَسلُبُ الأَلبابِ قَد عَبَثَت
بِزَهرِهِ عاصِفاتُ الدَهر فَاِنسَلَبا

غُصنٌ عَلى غُصنِهِ المَقصوف مُنَكَسِرٌ
لَذا اِنحَنى في رَبيع العُمرِ مُنتَحِبا

يُسراهُ أَضحَت عَلى خَديهِ لاطِمَةً
لِأَنَّ يُمناهُ سارَت تَبلغُ الأَرَبا

لَم يَخلَع الأَمس ثَوبَ الحُزن مُبتَهِجاً
حَتّى تَجدَّدَ في أَحشاهُ مُنتَشِيا

سارَت اليَفتهُ وَالعُرس مُختَتِمٌ
فَجَدد الرَقص في رَوضاتِهِ طَرَبا

وَلَم تَتمَّ عَلى أَفراحِهِ سَنةٌ
كَأَنَّها سَنَةٌ وَالعَيش حلم هبا

حَتّى اِستَفاقَ بَصُبح العُمرِ في ظُلمٍ
كَأَنَّما اللَيل أَضحى لِلصَباح قبا

يَدعو أَباهُ وَيَشكو سَلبَ دُرَّتِهِ
وَيَستشيط لَما مِن حَظِّهِ نُهِبا

يَبكي وَطفلَتَهُ تَبكي فَيُرضِعُها
دَمعاً تَهيج لَهُ أَصواتُ مَن نَدَبا

دَمع الصِبا قَد صَبا لِلصَبِّ مُنهَمِلاً
يَزيد ذا الصَبَّ في أَحزانِهِ وَصَبا

وَيحي عَلَيهِ فَإِنَّ الدَهر قَلَّبهُ
كَما تَقَلب يُحصي العلم وَالأَدَبا

رَأَيتَهُ غارِقاً بِالحُزنِ مُحتَرِقاً
حَتّى تَوَهَمَت مِن حالاتِهِ العَجَبا

أَباً يَتيماً عَريساً أَرمَلاً وَلَهاً
شَيخ الخَطوب صَبياً لِلصِبا غَلبا

هَذِهِ صِفاتكَ يا خضلي عَرَفتَ بِها
كُل الأُمور بَعَصرٍ عَهدُهُ قَرُبا

وَفي طِباعك يااِسكَندَر اِنطَبَعَت
رَقائق اللُطف تَنفي الغَيظ وَالغَضَبا

فَاطفِ اللَهيبَ بِحُلمٍ فيكَ مُنغَرِسٍ
وَاقصر عَناكَ فَلا رَدٌّ لَما ذَهَبا

قَد هاجَمَتكَ خُطوبُ الدَهر عابِسَةً
فَلا تَكُن لِسُقوط القَلبِ مُنتَسِبا

أَنتَ الشُجاع شُجاع العَقل في فَطنٍ
تَسطو عَلى الجَهل حَيثُ النور قَد سَكَبا

مَصائِبُ الدَهر لا تَبقي عَلى أَحَدٍ
وَمِن تَجَلَّدَ في الدُنيا فَما نُكِبا