مضَى رَيبُ المَنُونِ بِهِمْ جمِيعا - خليل مطران

مضَى رَيبُ المَنُونِ بِهِمْ جمِيعا
وَقَوَّضَ ذَلِك الْبَيْتَ الرَّذِفيعَا

أَلَمَّ بِهِمْ مُدَارَكَةً فَأَفْنَى
أُصُولَهُمُ الزَّكِيَّةَ وَالْفروعا

وكُنْتُ صَبِرْتُ بَعْضَ الصبْرِ عَنْهُمْ
بِبَاقٍ مِنْهُمُ جَبَرَ الصُّدُوعَا

فَلَمَّا بَانَ جَدَّتْ فِي أَناتِي
مَآتِمُهُمْ وَأَقْلَقتِ الضُّلُوعَا

وَبِتُّ إِذا تَذَكَّرَهُمْ فُؤادِي
رَأَيْتُ خَوَاطِرِي تَجْرِي دُمُوعَا

فَيَا قَلْبِي وَشِيمَتُك التَّأَسِّي
نَهَيْتُكَ عَنْ نُهَاكَ فَكُنْ جَزُوعَا

عَذَرْتُكَ أَنْ تُرَاعَ فَبَعدْ هَذَا
يَشُقُّ عَلَى الْحَوَادِثِ أَنْ تَرُوعَا

أَمينُ إِذَا سَكَتَّ فَمَنْ نَدِيمٌ
تَهُزُّ شُجُونُهُ الْفَطِنَ السَّمِيعَا

وَإِنْ تُلْقِ الْيَرَاعَ فَمَنْ أَدِيبٌ
مَتَى يَدْعُ الْخيَالَ يُجِبْ مُطِيعَا

عِصَامِيُّ الْبَيَانِ عَنِ ابْتِدَاعٍ
وَإِنْ لَمْ ينْسَ إِلْفَتَهُ رَضِيعَا

تَضُوعُ خِلاَلُهُ أَدَباً وَظَرْفاً
كَمَا تَهْوَى الأَزَاهِرُ أَنْ تَضُوعَا

إِذا نَثَرَ الطَّرَائِفَ مُرسَلاَتٍ
أَعَزَّ السهْلَ وَافْتَتَحَ المَنِيعَا

وَإِنْ نَظَمَ الْعِرَابَ مِنَ الْقَوَافِي
أَبَتْ فِي النَّابِغِينَ لَهُ قَرِيعَا

شوَارِدَ تَسْتَضِيقُ الأَرْضَ حَدّاً
أَوَابِدَ تَرتَمِي الأَمَدَ الْوَسِيعَا

أَوَانِسَ رَاقِصَاتٍ مُرْقِصَاتٍ
يَكَادُ الحِلْمُ يَشْهَدُهَا خَلِيعَا

مَعَانِيهَا سَبَتْ لُبَّ المَعَانِي
وَسِحْرُ بَدِيعِهَا فَتَنَ الْبَدِيعَا

غَلَتْ عَنْ سَائِمٍ وَالْعَصْرُ عَصْرٌ
إِذَا مَا سِيمَ فِيهِ الْعِرْضُ بِيعَا

وَتَأْخُذُهَا النُّهَى نَهْباً مُبَاحاً
فَتَسْتَكْفِي بِهَا ظَمأً وَجُوعَا

وَمَا يُزْهَى مُدَبِّجُهَا بِسَامِي
مَكانَتِهِ فَتحْسُبُهُ وَضِيعَا

إِذا مَا رُمْتَ غَايَاتِ المَعَالِي
وَمَوْطِنهَا الْقُلُوبُ فَكُنْ وَدِيعَا

أَمٍينُ طَوَاكَ لَيْلٌ خِفْتُ أَلاَّ
يَكُونَ ظَلاَمُهُ الدَّاجِي هزِيعَا

وَأَنْ يَفْنَى بِفَخْرٍ مِنْكَ فِيهِ
فَيَأْبَى فَجْرُهُ الثَّانِي طُلُوعَا

عَلَى أَنِّي إِخالُك غَيْرَ قالٍ
سَكِينَتَهُ وَلاَ بَاغٍ رجُوعَا

وَكُنْتَ المَرْءَ شَارَفَ مِنْ يَفَاعٍ
فَجَالَ الْعُمْرَ وَاجْتَنَبَ الْوُقُوعَا

فَلَمْ تَسْمَعْ وَأَنْتَ هُنَاكَ لَغْواً
وَلَمْ تَكُ رائِياً إِلاَّ رَبِيعَا

وَلَمْ تَكُ حَاقِداً وَالْحِقْدُ دَاءٌ
يُحَلِّبُ فِي الحَشَا سُمّاً نَقِيعَاً

وَتُنْضِي واضِحَ الْحَدَّيْنِ رَأْياً
فَيَمْلأُ كُلَّ غَامِضَةٍ سُطُوعَا

وَتَرْثِي لِلأَنَامِ مِنَ اللَّيَالِي
وَلاَ يَلْقَاكَ حَادِثُهَا هَلُوعَا

وَتَأْنَفُ أَنْ تَبِيتَ عَلَى رَجاءٍ
وَلَسْتَ لِمَا تُرَجِّي مُسْتَطِيعَا

يُضِيعُ المَرْءُ ما كَسَبَتْ يَدَاهُ
بِمَطْمَعِهِ وَيَملكهُ قَنُوعَا

فَضَائِلُ أَعْطَتِ الدُّنْيَا جَمَالاً
وَلَكِنْ لَمْ تَدَعْكَ بِهَا وَلُوعَا

فَيَا أَسَفِي عَلَى تِلْكَ المَزَايَا
وحَاشَا طِيبَ ذِكْرِكَ أَنْ تَضِيعَا

أُحَاشِي الذِّكْرَ وَهْوَ بِغَيْرِ جَدْوَى
بَطِيئاً مَا تُنُوسِيَ أَوْ سَرِيعَا

وَهَلْ هُوَ غَيْرُ أَفْعَالٍ مَوَاضٍ
تَذِيعُ وَفَضْلُهَا أَلاَّ تَذِيعَا

وَهَلْ فِي الشُّهْرَةِ الْيَقْظَى خُلودٌ
يُرَامُ لِخَالِدٍ عَنْهَا هجُوعَا

أَلاَ إِنِّي وَمَرْثِيَتِي أَمِيناً
لَسَاقٍ صَخْرَةَ الْوَادِي نَجِيعَا

وَأَعْلَمُ أَنَّ أَبْلَغَ كُلِّ مَدْحٍ
لِمَيْتٍ مَجْدُهُ وَسِعَ الرُّبُوعَا

غرُور بَاطِلٌ كَغُرُورِ يَوْمٍ
رَثَى فِيهِ الضحى نَسْراً صَرِيعَا

فَصاغَ مِنَ الشُّعَاعِ لَهُ خَيَالاً
وَأَلْقَاهُ بِجَانِبِهِ ضَجِيعا

سَموْتَ إِلى الْحَقِيقَةِ وَهْيَ شَأْوٌ
فَدَعْنَا ظَالِعاً يَتْلُو ظَلِيعَا