أَدْمَاءُ فَتَّانَةٌ لَعُوبٌ - خليل مطران

أَدْمَاءُ فَتَّانَةٌ لَعُوبٌ
خَفِيفَةٌ مَا لَها قَرَارْ

كُلُّ مَكَانٍ تَكُونُ فِيهِ
يُقْلِقُهُ وَثْبُهَا مِرَارْ

كَأَنَّهَا طَائِرٌ حَبِيسٌ
فِي قَفَصٍ يَبْتَغِي الْفِرَارْ

لَطَافَةٌ فِي بَدِيعِ حُسنٍ
وَرِقَّةٌ فِي مِزَاِج نَارْ

صَغِيرَةٌ أَمْرُهَا كَبِير
وَهَكَذَا الْشَّأْنُ فِي الصِّغارْ

حَارَ بِهَا فِكْرُ وَالِدَيْها
وَالْفِكْرُ فِي مِثْلِهَا يَحَارْ

وَلَيْلَةٍ بَاتَهَا أَبُوهَا
مُسَهَّداً فَاقِدَ اصْطِبَارْ

رَأَتْهُ فِيهَا كَثِيرَ غَمٍّ
يَبدُو عَلَى وَجْهِهِ اصْفِرَارْ

يَجْثُو عَلَى مَهْدِهَا وَيَبْكِي
بَأَدْمُعٍ ذُرَّفٍ حِرَارْ

وَيَنْثَنِي حَائِراً جَزُوعاً
يَمْضِي وَيَأْتِي بِلاَ اخْتِيَارْ

وَأَبْصَرَتْ أَمَهَا عَبُوساً
يَشُوبُ آمَاقَهَا احْمِرَارْ

تَجْلُو سِلاَحَاً يَثُورُ مِنْهُ
آنَاً وَمِنْ لَحظِهَا شَرَارْ

مَا ذَاكَ شَأْنُ الحِسَانِ لَكِنْ
فِي الشرِّ مَا يَدْفَعُ الخِيَارْ

مَا أَثِمَتْ بِالَّذِي أَعَدَّتْ
مِنْ عُدَدِ الْقَتْلِ وَالدَّمَارْ

بَلِ الأَثِيمُ الَّذِي دَعَاهَا
قَسْراً فَلَبَّتْ عَلَى اضْطِرَارْ

لَمْ يَشْغَلِ الْخَطْبُ فِكْرَ أَدْمَا
وَسْنَى وَلَمْ يَعْرُهَا الحِذَارْ

فَهَوَّمَتْ قَلْبُهُا خَلِيٌّ
وَفِي المُحَيَّا مِنْهَا افْتِرَارْ

كَأَنَّ أَنْفَاسَهَا دُعَاءٌ
تَقُولُهُ الرُّوحُ فِي سِرَارْ

مَا ذَنْبُ هَذِي الفَتَاةِ تَغْدُو
سَبِيَّةَ الظُّلَّمِ الشِّرَارْ

أَمِنْ سَرِيرِ الصِّغَارِ تُلْقَى
إِلى سَرِيرٍ مِنَ الصِّغَارْ

تَنَبَّهَتْ بَاكِراً وَكَانَتْ
مِنْ قَبْلُ لَمْ تَأْلَفِ ابْتكَارْ

مَرَّ بِهَا الهَمُّ وَهْوَ عَادٍ
يَنْتَهِبُ الْبَرَّ وَالبِحَارْ

كَطَائِرٍ رَاقَهُ غَدِيرٌ
فَرَفَّهُ جَانِحاً وَطَار

وَاسْتَمَعَتْ فِي الغَدَاةِ قِيلاً
إِنَّ أَبَاهَا لِلحَرْبِ سَارْ

وَإِنَّ قَوْماً جَاؤُوا لِيُفْنوا
أُمَّتَهَا بُغْيَةَ النُّضَارْ

لاَ يَرْحَمُونَ الصِّغَارَ مِنْهُمْ
وَلاَ يَرِقُّونَ لِلْكِبَارْ

وَلاَ يُرَاعُونَ حَقَّ حُرٍ
وَلاَ يَصُونُونَ عَهْدَ جَارْ

وَإِنَّ كُلَّ البُوَيْرِ خَفُّوا
لِيَدْفَعُوهُمْ عَنِ الذِّمَارْ

وَإِنَّ أَنْصَارَهُمْ قَلِيلٌ
وَإِنَّ أَعْدَاءَهُمْ كُثَارْ

مَضَوْا وَلاَ رَاحِلٌ يُرَجِّي
عَوْداً لأَهْلٍ لَهُ وَدارْ

فَرَاعَهَا الأَمْرُ وَاسْتَقرَّتْ
حَزِينَةً ذَلِكَ النَّهَارْ

حَتَّى إِذَا مَا المَسَاءُ أَمْسَى
وَانْسَدَلَ اللَّيْلُ كَالسِّتَارْ

جَثَتْ عَلَى مَهْدِهَا بِمَا لَمْ
تُعْهدْ عَلَيْهِ مِنَ الوَقَارْ

شِبْهَ مَلاَكٍ أَغَرَّ بَاكٍ
عَلَيْهِ سِيمَاءُ الاِنْكِسَارْ

تَدْعُو وَمَا لُقِّنَتْ وَلَكِنْ
عَلَّمَهَا الحُزْنُ الاِبْتِكَارْ

يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ يَا مَنْ
يَحْمِي ضَعِيفاً بِهِ اسْتَجَارْ

أُنْصُرْ أَبِي وَانْتَقِمْ لِقَوْمِي
وَلاَ تُبِحْ هَذِه الدِّيَارْ

كَذَاكَ هُمْ كُلُّهُمْ جُنُودٌ
لِصَدِّ عَادٍ أَوْ أَخْذِ ثَارْ

لاَ يُفْرَق المُقْتَنِي حُسَاماً
عَنِ الَّتِي تَقْتَنِي السِّوَارْ

كَبِيرُهُمْ قَائِدُ بَنِيهِ
إِلَى رَدى أَوْ إِلى انْتِصَارْ

وَطفْلُهُمْ ضَارِعٌ إِلَى مَنْ
إِذَا بَرِيءٌ دَعَا أَجَارْ