لَقَدْ آنَ أَنْ يَسْتَمْرِىءَ النَّوْمَ سَاهِدُ - خليل مطران

لَقَدْ آنَ أَنْ يَسْتَمْرِىءَ النَّوْمَ سَاهِدُ
وَأَنْ يَسْتَقِرَّ الأَلْمَعِي المُجَاهِدُ

كَأَنِّي بِهِ لِمْ يَقْضِ فِي العُمْرِ سَاعَةً
بِلاَ نَصَبٍ يُضْنِي وَهَمٍّ يُعَاوِد

حَيَاةُ عَنَاءٍ كُلَّمَا رَقِيَتْ بِهَا
إِلَى الخَيْرِ نَفْسٌ صَارَعَتْهَا المَنَاكِدُ

بِرَغْمِ المُنَى أَنْ غُيِّبَ القَبْرَ فَرْقَدٌ
أَضَاءَتْ بِمَا أَضْفَى عَلَيْهَا الفَرَاقِدُ

وَحُجِّبَ مَيْمُونُ النَّقِيبَةِ عَنْ حِمىً
بَكَتْهُ أَدَانِيهِ أَسىً وَالأَبَاعِدُ

شَبِيهٌ بِقتْلٍ مَوْتُهُ حَتْفَ أَنْفِهِ
وَمَا ذَنْبُهُ إِلاَّ العُلَى وَالمَحَامِدُ

وَكُنَّا نُرَجِّي أَنْ يَطُولَ بَقَاؤُهُ
فَعَاجَلَهُ سَهْمٌ مِنَ الغَيْبِ صَارِدُ

رَمَى مِنْ وَرَاءِ الظَّنِّ رَامِيهِ عَامِداً
وَمَنْ يَرْمِ خَتْلاً فَهْوَ جَان وَعَامِدُ

إِلَى مَنْ نُقَاضِيهِ فَتَنْتَصِفُ النُّهَى
وَيَسْلَمُ مِنْهُ الأَكْرَمُونَ الأَمَاجِدُ

أَيَصْدُقُ كُلَّ الصِّدْقِ مَا هُوَ مُوعِدٌ
وَيَكْذِبُ كُلَّ الكِذْبِ مَا هُوَ وَاعِدُ

إِذَا قَامَ فِي ظُلمٍ عَلَى الدَّهْرِ شَاهِدٌ
فَمَا مِثْلُ دَاوُدٍ شَهِيدٌ وَشَاهِدُ

بِقَلْبِي جِرَاحٌ كِيْفَ أَرْجُو انْدِمَالَهَا
وَفِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ رِفَاقِيَ فَائِدُ

يَعِزُ أَسَاهَا مَا حَييتُ وَهَذِهِ
مَآتِمُهُمْ لاَ تَنْقَضِي وَالمَشَاهِدُ

وَيَأْبَى لِيَ السُّلْوَانَ مَا طُفتُ بِالحِمَى
مَوَائِلُ مِنْ آثَارِهِمْ وَمَعاهِدُ

ليَعْذِرْنِيَ الإِخَوْانُ إِنْ جَفَّ مِرْقَمِي
فَقَدْ عَلِمَ الإِخْوَانُ مَنْ أَنَا فَاقِدُ

وَجِسْمِي عَلِيلٌ حَارَ فِيهَ طَبِيبُهُ
وَهَمِّي ثَقِيلٌ قَلَّ فِيهِ المُسَاعِد

وَيُجْهِدُ ذِهْنِي شَاغِلٌ بَعْدَ شَاغِلٍ
فَمِنْ أَيِّ رُوحٍ تُسْمَتَدُّ القَصَائِدُ

حَنَانَيْكَ يَا شَيْخَ الصِّحَافَةِ مَنْ لَهَا
إِذَا مَا اسْتُثِيرَ القَلْبُ وَالقَلْبُ هَامِدُ

شَدِيدٌ عَلَيْهَا أَنْ يَزُولَ بُنَاتُهَا
وَلَمْ تَتَمَكَّنْ أُسُّهَا وَالقَوَاعِدُ

فَمَنْ يَتَصَدَّى لِلشَّدَائِدِ مُرْهِفاً
عَزَائِمَ لاَ تَقْوَى عَلَيْهَا الشَّدَائِدُ

وَمَنْ يَنْبَرِي لاَ هَائِباً غَيْرَ رَبِّهِ
يُحَامِي بِهَا عَنْ قَوْمِهِ وَيُجَالِدُ

وَمِمَّا يَضِيمُ الحُرَّ شِقْوَةُ مَوْطِنٍ
بَنُوهُ نِيَامٌ عَنْهُ وَالحُر ذَائِد

فَهُمْ فِي عَدِيدٍ لِلكِفَاحِ وَعُدَّةٍ
بِعَيْنِ الأَعَادِي وَالمُكَافِحُ وَاحِد

مَلأْتَ الدُّجِى بِالنَّيِّرَاتِ تَخُطُّهَا
حُرُوفاً فَتَهْدِي النَّاسَ وَهْيَ شَوَارِدُ

لَيَالِيكَ كَانَتْ فِي اللَّيَالِي فَرَائِداً
وَهَلْ عَجَبٌ أَنْ تُسْتَرَدَّ الفَرَائِدُ

كَأَنَّكَ تَأْبَى عَوْدَهُنَّ لِلاَقِلىً
وَفِي وُدِّنَا لَوْ أَنَّهُنَّ عَوَائِدُ

ظَلِلتَ تقَاسِيهِن وَالرأْسُ مُطْرِقٌ
وَيُثْقِلُ رَضْوَى بَعْضُ مَا أَنْتَ وَاجِدُ

تُرِيدُ مِنَ الأَحْدَاثِ مَا لاَ يُرِدْنَهُ
فَتَنْحَتُ مِنْ قَلبٍ وَهُنَّ جَلاَمِدُ

دَؤُوباً تُعَنِّي النَّفْسَ حَتَّى تُذِيبَهَا
لِيَصْحُوَ مُعْتَزٌّ وَيَنْهَضَ قَاعِد

وَهَمُّكَ هَمُّ الشَّرْقِ حَتَّى إِذَا بَدَتْ
طَلِيعَةُ فَوْزٍ بَدَّدَتْهَا المَكَايِدُ

فَمِنْ أَيِّ خَصْمَيْهِ تَصُونُ حُقُوقَهُ
وَأَعْدَى لَهُ مِنْ غَاصِبِيْهِ المَفَاسِدُ

إِذَا دَبَّ خُلفٌ مُوهِنٌ فِي جَمَاعَةٍ
أَيُبْلِغُهَا أَدْنَى الأَمَانِيِّ قَائِدُ

سَلُوا أُمَماً بَادَتْ وَمَا تَجْهَلُونَهَا
تُبَصِّرُكُمْ أَعْيَانُهُنَّ البَوَائِد

لِدَاوُدَ كَانَتْ فِي كِفَاحَيْهِ خُطَّةٌ
يُلاَيِنُ فِيهَا تَارَةً وَيُعَانِد

مُحِيطاً بِأَطْوَارِ السِّياسِةِ سَاعِياً
بِرِفْقٍ إِلى إِدْرَاكِ مَا هُوَ نَاشِد

عَلِيماً بِمَا يَخْشَاهُ وَهْوَ مَقَارِبٌ
عَلِيماً بِمَا يَرْجُوهُ وَهْوَ مَّبَاعِد

وَأَليَنُ مَا تُلْفِيهِ وَهْوَ مُخَالِفٌ
وَأَثْبَتُ مَا تُلفِيهِ وَهْوَ مُعَاهِد

وَمَا فِكْرُهُ فِي نَهْضَةِ العَصْرِ جَامِدٌ
وَمَا حِسُّهُ فِي مَوْطِنِ البِرِّ جَامِدُ

سَمَاحَةُ نَفْسٍ تَلتَقِي فِي مَجَالِهَا
عَلَى الرُّحْبِ آرَاءُ الوَرَى وَالعقَائِدُ

لَهَا شِرْعَةٌ فِي كُلِّ حَالٍ نَقِيَّةٌ
مَصَادِرُهَا مَحْمُودَةٌ وَالمَوَارِدُ

غَذَاهَا البَيَانُ العَذْبُ تَهْمِي سَحَابُهُ
وَتُرْوِي البُّهَى أَنْهَارُهُ وَالسَّوَاعِدُ

فُصُولٌ عَلَى تَنوِيعِهَا اجْتَمَعَتْ بِهَا
إِلَى طُرَفٍ مِنْ كُلِّ ضَرْب فَوَائِدُ

مِنَ الذِّكْرِ وَالتَّارِيخِ فِيهَا ضَوَابِطٌ
وَفِيهَا مِنَ الخُبْرِ الحَدِيثِ أَوَابِدُ

فَلاَ زَعْمَ إِلاَّ أَيَّدَتْهُ أَدِلَّةٌ
وَلاَ حُكْمَ إِلاَّ وَطَّدَتْهُ شَوَاهِدُ

قَلِيلٌ لِدَاوُدَ الَّذِي قَلَّدَ النهَى
حِلىً لاَ تُبَاهَى أَنْ تُصَاغَ القَلاَئِد

تَعَدَّدَ مَا تَهْوَى العُلَى فِي خِصَالِهِ
فَمِنْ حَيْثُ تَبْغِي وَصْفَهُ فَهْوَ فَارِدُ

يَفِي لِمُوَالِيهِ وَلَمْ يَتَعَاقدَا
كَمَا يُنْفِذُ الصَّكُّ الأَمِينُ المُعَاقِد

وَيَغْفِرُ لِلخِدْنِ المُجَافِي جَفَاءَهُ
وَلَوْ أَنَّ ذَاكَ الخِدْنُ لِلفَضْلِ جَاحِد

فَإِنْ يَرَ شَيْئاً فَهْوَ لِلعُذْرِ قَابِلٌ
وَإِنْ يَرَ زَيْناً فَهْوَ جَذْلاَنُ حَامِدُ

وَلاَ يَتَعَدَّى الحَدَّ فِي نَقْدِ زَائِفٍ
إِذَا مَا تَعَدَّى ذلِكَ الحَدَّ نَاقِد

وَيَرْعِى ذَوِي رِعَايَةَ وَالِدٍ
فَأَبْنَاؤُهُ كُثْرٌ وَمَا هُوَ وَالِدُ

وَيُدْرِكُ أَقْصَى الآمِلِينَبِجُودِهِ
كَأَنَّ لَهَّ وُجْداً وَما هُوَ وَاجِدُ

تَحَدَّثْ إِلى شَتَّى الجَمَاعَاتِ تُلْفِهَا
ثَكَالى وَقَدْ بَانَ العَمِيدُ المُنَاجِد

رَئِيسٌ وَيَأْبَى طَبْعُهُ أَنْ يَكُونَهُ
فَتُلْقَى عَلَى كُرِهٍ إِلَيْهِ المَقَالِد

فَذَلِكَ دَاودُ الحَليمُ وَرُبَّمَا
تَنَكَّرَ مَعْرُوفٌ وَنَكَّبَ قَاصِد

إِذَا سَامَهُ خَسْفاً عَتِيٌّ وَمَارِد
ثَنَاهُ إِلَى المُثْلَى عَتِيٌّ وَمَارِدُ

يُلأْلِيءُ تَحْتَ الحَاجِبِ الجَثْلِ لَحْظُه
كَمَا شَبَّ تَحْتَ الغَيْهَبِ النَّارَ وَاقِدُ

وَتَبْدُرُ مِنْهُ غَضْبَةٌ جَبَلِيَّة
لَهَا جُؤْجُؤٌ يَوْمَ الحِفَاظِ وَسَاعِدُ

بَنِي بَرَكَاتٍ إِنْ جَزِعْتُمْ فَرُزْؤُكُمْ
تُعَافُ لَهُ الدنْيَا وَتُجْفَى الوَسَائدُ

وَلَكِنْ أَسَا آسِي القُلُوبِ جِرَاحَكُمْ
بِمَا لاَ يُوَارِيهِ طَرِيفٌ وَتَالِدُ

شَجَا مَا شَجَاكُمْ أُمَّةَ الضَّادِ كُلَّهَا
فَقَيْسُونُ مُهْتَزٌّ وَلُبْنَانُ مَائِد

وَمَرَّ الفُرَاتُ العَذْبُ وَارْتَاعَ دِجْلَةٌ
وَشَجَّتْ كَأَجْفَانِ الكَظِيم الرَّوَافِدُ

وَفِي مِصْرَ شَعْبٌ مَائِجٌ فِي رِحَابِكُمْ
تَقَاطَرَ يَتْلُو وَافِداً مِنْهُ وَافِدُ

دعَاه الوَفاءُ المَحْضُ وَالكَرَمُ الَّذِي
تَعَوَّدَهُ فِيهِ مَسُودٌ وَسَائِدُ

مَوَاكِبُ سَارَتْ بِالجِنَازَةِ لَمْ تُسَقْ
إِلَيْهَا وَلَمْ يُغْلِظْ عَلَيْهَا مُنَاشِد

تَقَاصَرَ عَنْهَا طَرْفُ كُلِّ مُشَاهِدٍ
وَطَالَتْ فَلَمْ يُدْرِكُ مَدَاهَا مُشَاهِدُ

كَفَى سَلوَةً أَنْ شَاطَرَ الشَّرْقُ حُزْنَكُمْ
عَلَى أَنْ مَنْ تَبْكونَ حَي وَخَالِد