لا تنكِرُوا الأَنَّاتِ فِي أَوْتَارِي - خليل مطران

لا تنكِرُوا الأَنَّاتِ فِي أَوْتَارِي
لَمْ يَبْقَ لِي فِي العَيْشِ مِنْ أَوْطَارِ

ذهَبَ الأَحِبَّةُ بَعْضُهُمْ مُتعَقِّبٌ
بَعْضاً وَكَان السَّبْقُ لِلأَخْيَارِ

أَرْزَاءُ دَهْرٍ شَفَّنِي تَكْرَارُهَا
أَفَمَا بِهَا سَأَمٌ مِنَ التَّكْرَارِ

أَنَا فِي الحَيَاة رَهِينَةٌ مَنْ يَفْتَدي
وَأَنا الأَسِيرُ فمَنْ يَفُكُّ إِسَارِي

مَا طَالَ عُمْرِي فِي مَدَاهُ وَإِنَّنِي
لأَخَالُهُ يَعْدُو مَدى الأَعْمَارِ

جِبْرِيلُ وَاوَلدَا مَضى قَبْلِي فَبِي
ثُكْلٌ وَلذْعُ الثُّكْلِ لَذْعُ النَّارِ

فِي دَارِ وَالدِهِ شَهِدْتُ نُمُوَّهُ
أَيَّامَ يَدْرُجُ نَاعِمَ الأَظْفَارِ

وَشَهِدْتُ كَيْفَ تُعِدُّ أَمٌّ بَعْدَهُ
لِلمَجْدِ أَوْحَدَهَا وَلِلأَخْطارِ

لاَ بِدْعَ أَنْ يُلفَى صِغارٌ أُنْبِتُوا
لِلّه وَالأَوْطَانِ جِدَّ كِبَارِ

مَا أَنْسَ لا أَنْسَى المُهَذَّبةَ الَّتِي
صِينتْ مَحَاسِنُهَا بِتاجِ وَقَارِ

أُمٌّ مِنَ الَّلائِي نَدَرْنَ وَكَانَ مِن
أَبْنائِهِنَّ نَوَادِرُ الأَدْهَارِ

نَشَّأْنَهُمْ وَبِنُورِهِنَّ أَضَأْنَهُمْ
وَمِنَ الشمُوسِ أَشِعَّةُ الأَقْمَارِ

يَا ناعِياً جِبْرِيلَ إِن نَعِيَّهُ
لأَشَدُّ مَا خُطتْ يَدُ المِقْدارِ

إِنِّي لَتُدْمَى بِالحُرُوفِ نَوَاظِرِي
مَا لِلحُرُوفِ يَثِبْنَ وَثبَ شرَارِ

فِي العَالَمِ العَرَبِيِّ أَيَّةُ هِزقٍ
لأُفُولِ ذَاك الكَوْكبِ المُتوَارِي

فدحَ المُصَابُ بِه فَمَا مِنْ مُقْلَةٍ
إِلاَّ بَكَتْهُ بِمَدْمَعٍ مِدْرَارِ

كَيْفَ الأَسَى فِي مِصْرَ لوْ يَجْزِى الأَسَى
بِالحَقِّ أَجْرَ مُجَاهِدٍ صَبَّارِ

سَارَتْ تُشَيِّعُهُ وَلَمْ ترَ أُمَّةٌ
فِي مِثلِ ذَاك المَشْهَدِ الجَرَّارِ

أَمُعِيدَ هَذا الشَّرْقِ بَعدَ سَحَابَةٍ
غشِيَتْهُ دهْراً مَصْدَرَ الأَنْوَارِ

لوْ أَنْصَفَتْكَ صِحَافةٌ بِك أَصْبَحَتْ
ذَاتَ الجَلالَةِ كَلَّلَتْك بِغَارِ

لأَبِيكَ كَانَ السَّبْقُ فِي مِضْمَارِهَا
وَإِلَيْكَ آلَ السَّبْقُ فِي المِضْمَارِ

وَلَعَلَّ مَنْ أَعْقَبْتَ وَالآثَارُ قَدْ
وضَحَتْ لَهُ يَجْرِي عَلى الآثَارِ

مَاذَا صَنَعْتَ وَقَدْ وَرِثْتَ صَحِيفَةً
تحيَا بِهَا فِي بَسْطَةٍ وَيَسَارِ

لَمْ يُرْضِكَ اسْتِقْرَارُهَا ولَقَدْ تَرَى
أَنَّ الجُمُودَ حَلِيفُ الاِسْتِقْرَارِ

فَمَضَيتَ فِي تَحْسِينِهَا قُدَماً وَلَمْ
تُحجِمْ عَلى العِلاَّتِ وَالأَخْطَارِ

وَرفَعْتَها لِلعَالَمِينَ منَارَةً
تعْتَادُهُمْ بِشَعَاعِهَا السَّيَّارِ

دِيوانُهَا بِالأَمْسِ كانَ دُوَيْرَةً
وَاليَوْمَ أَضْحَى دَوْلَةً فِي دَارِ

شَتَّانَ بَيْنَ صَحِيفةٍ بِمُتُونِهَا
وَشُرُوحِهَا فَيَّاضةِ الأَنْهَارِ

وَصَحِيفَةٍ مِنْ كُلِّ مَطْلَعِ كَوْكَبٍ
يُزْجَى إِلَيْهَا أَطْرَفُ الأَخْبارِ

هِيَ مَعْرِضٌ لِلحادِثَاتِ قَرِيبَةٌ
وَبَعِيدَةٌ فِي كُلِّ صُبْحٍ نَهَارِ

هِيَ حلْبَةٌ فِيهَا مَدىً مُتَطَاوِلٌ
لِمُكاِفحِي رَأْيٍ وَلِلأَنْصَارِ

ضُمِنَتْ بِهَا لِحُمَاةِ كُلِّ حَقِيقَةٍ
حُرِّيَّةُ النزَعَاتِ وَالأَفْكَارِ

أَيْن الصَّوَابُ هُوَ الطِّلابُ وَدُونَهُ
كَدُّ النُّهَى وَتَنَافُحُ الأَحْرَارِ

أَظْهِرْ عَلى مَا فِي الضَّمَائِرِ كُلَّ ذِي
شَأْنٍ بِه فَالخَيْرُ فِي الإِظْهَارِ

قَدْ تفْتِنُ الأَبْصَارَ بَهْرَجَةٌ وَقَدْ
تَغْشى البَصَائِرَ فِتْنَةُ الأَبْصَارِ

لكِنَّ حُكْمَ الحقِّ يَصْدُقُ آخِراً
فِيمَا يُقَوِّمُهُ مِنَ الأَقْدارِ

وَالشَّعْبُ يَوْمَئِذٍ يُوَلِّي أَمْرَهُ
مَنْ يَصْطَفِيهِ عَنْ رِضىً وَخِيَارِ

أَهْرَامُ مِصْرَ عَتِيدُهَا بَعْثٌ لَهَا
وَعَهِيدُهَا للفَخْرِ والتَّذكارِ

جِبْرِيلُ كالِئُهَا الدَّؤُوبُ وَشَخْصُهُ
فِي المَرْقَبِ العَالِي وَراءَ سِتارِ

مِصْرُ الهَوَى يَحْيَا لَهَا وَرِضَاهُ مَا
ترْضاهُ فِي الإِعْلانِ وَالإِسْرَارِ

وَلِمِصْرَ مَا يَجْنِي وَمَا يَبْنِي وَمَا
يَصِلُ الأَصَائِلَ فِيه بِالأَسْحَارِ

لا شَيءَ فِي الأَقْوَامِ إِلاَّ قوْمُهُ
لا شَيءَ إِلاَّ مِصْرُ فِي الأَمْصَارِ

هَذا هُوَ الصَّحَفِيُّ إِلاَّ أَنَّهُ
فِي صُورَةٍ أُخْرَى مِنَ التجَّارِ

مِنْ جَالِبِي الإِيسَارِ حَيْثُ تَوَسَّطوا
فِي النَّاسِ لا مِنْ جَالِبِي الإِعْسَارِ

وَالنَّاصِحِينَ النَّافِعِينَ دِيَارَهُمْ
بِنَزَاهَةِ الإِيرَادِ وَالإِصْدَارِ

جَادَتْ بِضَاعَتُهُ وَضُوعِفَ رِبْحُهُ
بِسَمَاحِ بَائِعِهَا وَشُكْرِ الشَّارِي

تَتعَددُ الصَّدَقَاتُ فِي نَفقَاتِهِ
حَتَّى لَيُخْطِئَها الحِسَابُ الجَارِي

لاَ يَنْظُرَنَّ إِلى العَظِيمِ بِفِعْلهِ
قَوْمٌ بِأَعْيُنِ مَاهِنِينَ صِغَارِ

فَالمُتْلِفُ الجَبَّارُ فِيمَا قَدَّرُوا
مَا كانَ غَيْرَ المُخِلفِ الجَبَّارِ

إِنَّ الصِّحَافَة حَوْمَةُ الأَقْلامِ لاَ
مَرْمَى القِدَاحِ وَمَلْعَبُ الأَيْسَارِ

يُرمَى بِهَا عَنْ كُلِّ قوْسٍ إِنَّمَا
لاَ قوْسَ إِلاَّ مَا بَرَاهُ البَارِي

أَو مَا رَأَيْنَاهَا تَشِيدُ مَمَالِكاً
وَتُعِزُّ أَقْطاراً عَلى أَقْطَارِ

أَمُؤَبِّني جِبْرِيلَ مِنْ أَقْرَانهِ
فَضْلاَ وَمِنْ إِخوَانِهِ الأَبْرَارِ

أَنْصَفْتُمُوهُ بِهَذهِ الذِّكْرى وَمَا
أَحْرَاهُ بِالتخْلِيدِ وَالإِكْبارِ

حَسْبُ المُنَى مَا هَيَّأَتْ أَهْرَامُهُ
لِبِلاده مِنْ عِزَّةٍ وَفخارِ

وَلْيُولِهِ بِسَلِيله مِنْ بَعْده
أَمناً عَلى الذِّكْرَى وَطِيبَ قرَارِ

لِيُثِبْهُ عَنْ مِصْرٍ وَعَنْ جَارَاتِهَا
بِالخَيْرِ دَاعِيهِ لِخيْرِ جِوارِ