أَبْلِغْ بِمَا أَفْرَغْتَ فِي تِمْثَالِ - خليل مطران

أَبْلِغْ بِمَا أَفْرَغْتَ فِي تِمْثَالِ
مِنْ مَأْرَب غَالٍ وَمَعْنّى عَالِ

فَنٌّ بَذَلْتَ لَهُ الحَيَاةَ مُثَابِراً
فِي حَوْمِة الآلامِ وَالآمَالِ

وَإِذَا تَمَنَّيْتَ الحَيَاةَ كَبِيرَةً
بُلِّغْتَهَا بِكَبِيرَةِ الأَعْمَالِ

ذَاكَ النُّبُوغُ وَلاَ تَنَالُ سَعَادَةٌ
تُرْضِيهِ إِلاَّ مِن أَعَزِّ مَنَالِ

خُذْ بِالعَظيمِ مِنَ الأُمُورِ وَلاَ يَكُنْ
لَكَ فِي الهُمُومِ سِوَى هُمُومِ رِجَالِ

وَاجْعَلْ خَيَالَكَ سَامِياً فَلَطَالَمَا
سَمَتِ الحَقِيقَةُ بِامْتِطَاءِ خَيَالِ

ابْعِدْ مُنَاكَ عَلَى الدَّوَامِ فَكُلَّمَا
دَانَ النَّجَاحُ عَلَتْ مُنَى الأَبطَالِ

أَخْلَى الخَلاَئِقِ مِنْ لَذَاذَاتِ النهَى
مَنْ عَاشَ فِي الدُّنْيَا بِمقَلْبٍ خَالٍ

لَيْسَ الَّذِي أُوتِيتَ يَا مُخْتَارُ مِنْ
عَفْوِ العَطَايَا ذَاكَ سُهْدُ لَيَالِ

فِي كُلِّ فَنٍ لَيْسَ إِدْرَاكُ المَدَى
لِلأَدْعِيَاء وَلَيسَ لِلْجُهَّالِ

كَلاَّ وَلَيْسَتْ فِي تَوَخِّي رَاحَةٍ
قَبْلَ التَّمامِ مَظِنَّةٌ لِكَمَالِ

إِنِّي لأَسْتَحْلِي الفَلاَحَ فَيَنْجَلِي
لِيَ عَنْ مُثَابَرَةٍ وَغُرِّ فِعَالِ

مِصْرٌ تُحَيِّي فِيكَ نَاشِرَ مَجْدِهَا
مَجْدِ الصِّنَاعَةِ فِي الزَّمَانِ الخَالِي

وَهْيَ الَّتِي مَا زَالَ أَغْلَى إِرْثِهَا
مِنْ خَالِدِ الأَلْوَانِ وَالأَشْكَالِ

لَبِثَتْ دُهُوراً لاَ يُجَدَّدُ شَعْبُهَا
رَسماً وَلاَ يُعْنَى بِرَسْمٍ بَالِ

حَتَّى انْبَرَى الإِفْرَنْجُ يَبْتَعِثُونَ مَا
دَفَنَتْهُ مِنْ ذُخْرٍ مَدَى أَجْيالِ

وَبَرَزْتَ تَثْأَرُ لِلبِلاَدِ مُوَفَّقاً
فَرَدَدْتَ فَيِهَا الحَالَ غَيْرَ الحَالِ

أَليَوْمَ إِنْ سَأَلَ المُنَافِرُ عَصْرَنَا
عَمَّا أَجَدَّ فَفِيهِ رَدُّ سُؤَالِ

أَليَوْمَ فِي مِصْرَ العَزِيزَةِ إِنْ يُقَلْ
مَا فَنُّهَا شَيءٌ سِوى الأَطْلاَلِ

أَلَيوْمَ مَوضِعُ زَهْوِهَا وَفَخَارِهَا
بِجَمِيلِ مَا صَنَعَتْهُ كَفُّكَ حَالِ

صَوَّرْتَ نَهْضَتَهَا فَجَاءَتْ آيَةً
تَدْعُو إِلَى الإِكْبَارِ وَالإِجْلاَلِ

يَا حَبَّذَا مِصْرُ الفَتَاةُ وَقَدْ بَدَتْ
غَيْدَاءَ ذَاتَ حَصَافَةٍ وَجَمَالِ

فِي جَانِبِ الرِّئْبَالِ قَدْ أَلْقَتْ يَداً
أَدْمَاءَ نَاعِمَةٍ عَلَى الرِّئْبَالِ

بِتَلَطُّفٍ وَرَشَاقَةٍ بِتَعَفُّفٍ
وَطَلاَقَةٍ بِتَصَونٍ وَدَلاَلِ

فَإِذا أَبُو الهَوْلِ الَّذِي أَخْنَتْ بِهِ
حِقَبُ العِثَارِ أُقِيلَ خَيرَ مُقَالِ

تمثالَ نَهْضَةِ مِصْرَ أَشْرِقْ جَامِعاً
أَسْنَى مُنَى الأَوْطَانِ فِي تِمْثَالِ

نَاهِيكَ بِالرَّمْزِ العَظِيم وَقَدْ حَوَى
مَعْنَّى الرُّقِيِّ وَرُوحَ الاِسْتِقْلاَلِ