وَفَدْتُ وَمِصْرُ فِي الظَّلْمَاءِ - خليل مطران

وَفَدْتُ وَمِصْرُ فِي الظَّلْمَاءِ
مُوِحشةٌ كمَا تدْرِي

وَليْسَ العَائِدُونَ دجىً
إِلى الديوَانِ بِالكُثرِ

فَمَا اسْتَجْليْتُ إِلاَّ
أَوْجُهاً لِلصَّفْوَةِ الْغُرِّ

وَقَدْ سَهِرُوا كَمَا بَكَرُوا
بِلاَ وَهَنٍ وَلاَ فَترِ

وَفِيهِمْ أَوَّلاً سَامٍ
وَفِيهِمْ ثانِياً فِكْرِي

هُمَا لِلْحَلِّ وَالْعَقْدِ
هُمَا لِلنَّهْيِ وَالأَمْرِ

هُمَا لِلْمِيَرَةِ الكَافِيَةِ
الْحَاجَاتِ فِي الْقُطْرِ

يَنَامُ الشَّعْبُ مَا سَهِرَتُ
عَلَيْهِ مُقْلَةُ الْبِرِّ

فَبَعْدَ تحِيةٍ عَجْلى
وَتَمْهِيدٍ مِنَ الْعُذْرِ

جَلَسْتُ وَأَنْتَ مَشْغُولٌ
بِأَمْرٍ أَيِّمَا أَمْرِ

تُحَرِّكُ دَائِباً قَلَماً
عَلَى قُرْطَاسِهِ يَجْرِي

وَتَضَطَرِبُ السَّجيرَةُ بَيْنَ
أُنْمُلُتَيْكَ وَالثَّغْرِ

فَتُحْدِثُ مِنْ حَرِيقِ التَّبْغِ
جَوّاً عَابِقَ النَّشْرِ

تخَالُ ثَوَابِتُ الأَضْواءِ
فِيهِ أَنْجُماً تَسْرِي

فَتَابَعْتُ الدُّخَانَ يَمُوجُ
بَيْنَ الْمُدِّ وَالْجَزْرِ

بِثَائِرِهِ وَسَاجِيهِ
أَفَانِينُ مِنَ السِّحْرِ

ظَلِلْتُ هُنَيْهَةً أَرْنو
إِلَيْهِ بِطَرْفِ مُسْتَقْرِ

فَأَبْدَى لِي مَكَانَ الْخَلْقِ
وَالتَّقْدِيرِ فِي الْفِكْرِ

وَصَوَّرَ فِي إِشارَاتٍ
رَفِيفَ خَوَالِجِ الصَّدْرِ

كَأَني شَاهِدٌ حَالَيْكَ
بَيْنَ السَّطْرِ وَالسَّطْرِ

بِحَيْثُ الْقَوْلُِ فِي يُسْرٍ
وَحَيْثُ الْقَوْلُ فِي عُسْرِ

وَحَيْثُ إِذَا نَبَا الإِلْهَامُ
لُذْتَ بِنجْدَةِ الذِّكْرِ

وَحَيْثُ تُعَالِجُ الرَّأْيَيْنِ
مِنْ عَبْدٍ وَمِنْ حُرِّ

فَأُعْجَبُ بِالدُّخَانِ وَمَا
جَلاَه لِي مِنَ السِّرِّ

كَأَنَّ حِجَاكَ مِنْهُ وَرَا
ءَ شَفَّافٍ مِنَ السِّتْرِ

أَرَانِي صِدْقَ مَا قَالُوهُ
عَنْ عِلْمٍ وَعَنْ خُبْرِ

نبُوغُ الْمَرْءِ بِالإِتْقانِ
وَالإِتْقَانُ بِالصَّبْرِ

نَجَاءً يَا غَرِيقَ الْحِبْرِ
مِنْ سَاقٍ إِلى نحْرِ

وَهَيَّا يَا أَمِينَ الْخَيْرِ
طَالَ لَدَيْكُمَا أَسْرِي

أَيُعْطَى الشُّغْلُ أَضْعَافاً
لِمَا يُعْطِي مِنَ الأَجْرِ

لَنَا صَحْبٌ بِلُقْيَاهُمْ
مَنَاطُ الأُنْسِ وَالبِشْرِ

دَعَوْنَا لِلْعَشَاءِ فَهَلْ
نُغَادِيِهِمْ مَعَ الفَجْرِ

ضِيَافَةُ يُوسُفِ لُطْفاً
وَظَرْفاً مِنْ مُنَى الْعُمْرِ