عندما البلبلُ في وقتِ السَّحر - رشيد أيوب

عندما البلبلُ في وقتِ السَّحر
يَتَغَنّى مُطلِقاً منهُ الجناح

والنّدى من فوقِ أغصان الشجر
لؤلؤ تجمعهُ شمسُ الصَباح

والبراري زهرها يجلو النظر
حيثُ يمشي الحبّ مع خفق الرّياح

وشُجَيرَاتُ الرّوابي تَنثني
طَرَباً بالنسمَاتِ النّافحَات

دُقّ قَلبي دقّةَ الحبّ السنيّ
مالىءِ الدنيا وكلّ السموات

وإذا عيني رأت أعمىً فَقِير
في طريقٍ باسطاً إحدى يديه

دُقّ قَلبي دَقّةَ العطفِ الكثير
لضريرٍ ضاقت الدنيَا لديه

ثمّ نادِ الله كالطّفل الصّغير
ضَع إلهي نَظَراً في مُقلتَيه

إنّ قلباً ملؤهُ الحبّ الصّحيح
دقّ حتى رقّ من فرط الشعور

هوَ حَيٌّ ولئن زارَ الضّريح
دُقّ يا قلبي إِلى يومِ النّشور

خلق الرحمانُ هذي الكائنات
وحَباها كُلّ حُبٍّ أزَلي

ما ترَى الأنجُمَ ترنو غامزات
وَهيَ لَولا حُبّها لم تفعلِ

كلّما شاهدتُ تلكَ النّيّرات
وجمال الله فيها يَنجلي

دُقَّ قَلبي دقّةَ النّائي الغريب
ذكَرَ الأوطانَ والعهدَ القديم

شَبّتِ الأشواقُ فيهِ كَاللّهيب
بعدما أضرَمَها الحبُّ المُقيم

إنّ عينَ الحبِّ ليست ترقدُ
فهي عينُ الله بارينا القدير

هيَ في الشمسِ التي تتّقدُ
وذُرى الأفلاك منها تستَنير

قلتُ والأمواجُ فيها تُنشِدُ
والسّواقي تَتَغَنّى بالخرير

دُقَّ يا قلبي فإن جاءَ الأوان
ودعانا الله من بعد المَمات

سوفَ نحيَا عنده طولَ الزّمان
فلنَا بعد الرّدى ألف حياة